ليبيا.. اطردوا السلفيين!

TT

بعد مصر وتونس وسوريا واليمن، جاء الدور على ليبيا، ففزاعة السلفيين أصبحت موجة تحذير يركبها الكثيرون في خضم ما يعرف بـ«الربيع العربي»، البعض بقراءة خاطئة، وآخرون بنوايا سيئة، وبعض ثالث بربط مع هذه الدولة أو تلك معروف القصد منه، حتى لو كان يخالف المنطق والواقع، المهم في نهاية الأمر التخلص مما يعتبرونه بعبعا لا يجوز أن تقوم له قائمة، وطرده شر طردة من العملية السياسية.

الأدهى والأمر هو الخلط الفاضح بين السلفية كمنهج ينتهج سنة رسول الله والصحابة والتابعين، وتنظيم القاعدة كفرقة من الخوارج ضلت عن الطريق الصحيح لعامة المسلمين، الفرق واضح بينهما كالفرق بين الثرى والثريا، لكن هناك من يركبون الموجة لأهداف سياسية أو حتى طائفية، كما هو ائتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، عندما حذر من تسلم «التيار السلفي وتنظيم القاعدة لمقاليد السلطة في بعض الدول العربية التي شهدت تغييرات في حكوماتها إثر ثورات شعبية». وبحسب النائبة عن ائتلاف دولة القانون بتول فاروق فإن «أغلب المنضوين تحت راية التغيير في الدول العربية التي شهدت انتفاضات وثورات هم من التيار السلفي وتنظيم القاعدة، ونخشى أن يأتي البديل في هذه الدول سيئا ومضرا للعراق»، فأي تحريض وخراصات طائفية أكثر من هذه!

السلفيون، في ليبيا وغيرها، يحق لهم، كما لغيرهم من كافة أطياف المجتمع، أن يكون لهم دور في بناء دولتهم الجديدة، المطلوب منهم هو قبول دولة مدنية تحترم جميع الأديان والطوائف، وهذا شرط بناء أي دولة، فطالما أنهم يوافقون على ذلك، فكيف يمكن لأي كان أن يلغي طرفا مهما في المعادلة، فقط لكونه يختلف مع توجهاتهم، أو بتحليل مبني على نوايا سيئة، ومبطنة.

كما أن تضخيم قدرات الجماعة الليبية المقاتلة، وليس «القاعدة» التي تبرأت منها الجماعة، لا يمكن أن يجعلها بالشكل المخيف الذي يريدون لنا أن نصدقه. فبالإضافة للانشقاق الذي تعرضت له في السنوات الماضية، فإن القيادة التاريخية للجماعة، ممثلة بأميرها أبو عبد الله صادق ومنظرها أبو منذر الساعدي، تخلت عن العنف منذ وقت طويل، وذلك في إطار المراجعات المعروفة. بل إن المراقبين يقدرون أعداد الليبيين المنضوين تحت نفوذ «القاعدة» في أفغانستان وباكستان بما لا يزيد عن 30 مقاتلا. وهنا لا يمكن إلا القول إن الجماعة الليبية المقاتلة تعرضت لضعف شديد ولا تشكل خطرا على الدولة الليبية المنتظرة، مع عدم إغفال تنظيم القاعدة في المغرب العربي، لكن هذا تحد يواجه جميع دول المنطقة هناك، ولا يجوز ربطه، كما أسلفنا، بالسلفيين في ليبيا.

لذا، لا يمكن لأي عاقل أن ينافح عن حق شعب في تأسيس دولته بالشكل الذي يحلم به الجميع، وهو يرسم صورة قاتمة لأي من مكونات هذا الشعب. الحقوق والواجبات متساوية لدى جميع أطياف المجتمع، التي متى ما استوعبت هذه المعادلة، فلا يمكن استبعادها من حقها الذي لا ينازعها عليه أحد. حتى بالعودة إلى التاريخ القريب، فكل التيارات السياسية كانت لها أخطاؤها الكوارثية هنا أو هناك، فهل نأخذها أيضا بجريرة انتسابها للمسمى أو المعتقد.

أعطوا الجميع فرصة بناء دولتهم، ومتى ما أثبتوا رؤيتهم السياسية غير المتطرفة، فإن استمرارهم في العملية السياسية أمر تكفله لهم جميع دساتير العالم، وإذا ما حدث العكس، فإن العملية السياسية ذاتها ستلفظهم. لكن التلويح بعزلهم يقتل العملية الديمقراطية في مهدها، بل وربما يخلف تطرفا وتأزيما، الجميع في غنى عنه.