سوريا والسيناريو الأسوأ

TT

كل ما حدث في تونس ومصر، ومؤخرا في ليبيا، قابل للاستيعاب والفهم، لأن القاسم المشترك بين الحالات الثلاث هو أن التاريخ قال كلمته وهبت رياح التغيير بأشكال مختلفة تتماشى مع ظروف كل بلد وخصائصه، وخصوصا طبيعة النظام الحاكم.

كل الثورات التي حدثت في البلدان المذكورة قد مثلت صدمة صاعقة أربكت الأنظمة المتوجهة ضدها وأفقدتها السيطرة، لكونها ثورات مباغتة وغير متوقعة.

ولكن النظام السوري الذي تابع ما حصل في تونس وفي مصر وليبيا، وبالتالي تمتع بفرصة ذهبية لم تتح للأنظمة الأخرى، وهي أنه لم يكن البلد الأول ولا الثاني ولا حتى الثالث الذي تهب فيه رياح الثورة، لم يستفد بالمرة من هذه الفرصة. فالتاريخ كان عطوفا على النظام السوري، ولكن هذا الأخير لم يلتقط الدرس ولم يستوعب ماهية اللحظة وموازين القوى فيها. بل إن استمرار أعمال العنف، بلفت النظر عن الأسباب والمبررات، يدل على أن النظام السوري قرر أن لا ينصت، وأن لا يبصر، وأن لا يفكر بحكمة، وأن لا يتنازل، وهي قرارات ضده أولا قبل أي طرف آخر.

الظاهر أن النظام السوري قد دخل في نفق مع إصرار كبير على عدم العودة منه، وهو ما يثير استغراب أغلب من يتابع الأحداث في سوريا. ومرد هذا الاستغراب إلى أن النخبة السياسية الحاكمة في سوريا، بلفت النظر عن نقائصه التي تشترك فيها الأنظمة العربية كلها تقريبا، كانت معروفة بالقدرة على المناورة وعلى خلط الأوراق وإعادة ترتيبها من جديد. ولعل النجاح في تجاوز المأزق الكبير فيما يعرف بقضية اغتيال الحريري، على الرغم من تضييق الخناق على النظام، يمثل برهانا قويا على ما كانت تتميز به النخبة السياسية في سوريا من قدرة على حل المشكلات وتجاوز الأزمات، مما يفيد الدينامية والقدرة على التحرك والتصرف والتكتيك.

غير أن كيفية التعاطي، خلال الأشهر الأخيرة، مع أصوات التغيير تنم عن تكلس حقيقي بدأ يهيمن على الفعل السياسي ويجرده من الحنكة والحكمة، ليبقى صوت العنف هو الأسطوانة الوحيدة الصاخبة. ومن مظاهر التكلس نذكر الخطأ الأكبر المتمثل في استباحة دم الشعب، وهي مسألة مركزية فيما يجري اليوم في سوريا. لقد تورط النظام في دم السوريين وسقط بالتالي في الفخ، وحتى لو حصلت المعجزة وتجاوزت سوريا هذا الإعصار، فإن هوة حقيقية ستبقى فاصلة بين النظام والشعب، ولعل الانقسام الشعبي الحاصل، حاليا، دليل على فقدان التوافق الشعبي حوله، وبالتالي المشروعية في الميزان. النقطة الثانية التي تؤكد التكلس تتمثل في ظاهرة العناد التي استبدت بعقل النظام وجعلته يخسر حلفاء الأمس القريب، الحلف تلو الحلف، وهو ما أضعف النظام وعزله خارجيا.

مشكلة النظام السوري أنه لا يفكر في الأسوأ ولا يقيم مراجعات مستمرة لرهاناته، ويعتقد أن ما حصل للعراق وليبيا بعيد المنال في سوريا.

وها هي فرنسا المزهوة بانتصارها على النظام الليبي بدأت تعد أوراق ملف سوريا في أروقة مجلس الأمن، والمدهش أن النظام السوري كأنه يعيش في كهف لا تصله الأخبار ولا التطورات، وكأن الأمور على أحسن ما يرام.