العيد في متعه ومحنه

TT

آن لي بنهاية شهر رمضان المبارك وحلول عيد الفطر أن أهنئ سائر المسلمين في ديار الإسلام وديار الغربة والمنفى والمعتقلات عبر الجبال والبحار والقارات الخمس، متمنيا لهم عيدا يبعث الأمل في النفوس.

مثلما نجد لرمضان الشريف تقاليده وعاداته العريقة، نجد لعيد الفطر تقاليده. اليوم الأخير من رمضان يوم مزدحم بالبرامج.. هناك أولا مشكلة رصد الهلال والتأكد من انتهاء الشهر. وفي ذلك متعة كبيرة وتمرين مفيد للعين. تكون ست البيت أثناء ذلك مشغولة بإعداد الحمام البيتي وشد المناشف ومعدات الغسل في حالة الذهاب لحمام السوق العمومي. البنات والأطفال الصغار مع أمهم والذكور مع والدهم، وعندئذ تظهر مشكلة الصبي الذي اقترب من سن المراهقة.. هل يقبلونه في حمام النسوان مع أمه أم يطردونه منه ويعيدونه ليلتحق بأبيه؟

«عيني خانم، هذا ابنك ما شا الله كبر. صار يفتهم. هذي آخر مرة نسمح له يدخل في حمام النسوان. المرة الجاية يروح ويا أبوه لحمام الرجال».

ويكون الصبي عند ذلك قد احمر خجلا وتصبب العرق من وجهه وهو يحاول أن يعرف ماذا قصدت بأنه صار يفتهم؟ ما الذي يفتهمه؟

تعود العائلة من الحمام ويكون الأب قد وضع على الرف كومة من الفلوس الخردة.. هذه أولا خمسة دراهم للمسحراتي الذي واظب طوال الشهر على ضرب الطبول لإيقاظ النائمين من النوم وتناول السحور. وهذه خمسة دراهم للزبال، ومثلها للكناس، والجرخجي الحارس. ويحتدم الجدال؛ لماذا نعطي بخشيس للجرخجي؟ في شهر رمضان ماكو حرامية. ماكو لزوم للحارس. ترد الوالدة الصالحة وتقول، عيني هالرجل يقضي السنة كلها حامل على كتفه البندقية ويدور الليل كله ويصوفر بصفارته.. يعني ما يستحق شوية من فطرة العيد؟

وهذا تقليد آخر.. الفطرة التي تشارك فيها كل الشعوب الإسلامية، وهو المبلغ الذي يستحق على كل أبناء العائلة حسب عددهم؛ صايمين أو فاطرين، يدفعونه للفقير والمحتاج وابن السبيل لقاء انتهائهم من صوم رمضان. وكما أعد الناس أنفسهم في شهر شعبان للصوم، يأخذون في إعداد أنفسهم في شهر رمضان للفطور في العيد.. ينهضون في آخر ليلة، أو في الواقع ليلة العيد، لتناول فطور مختصر يسمونه في العراق «سحور اليتيمة» باعتباره سحورا يليه يوم الفطور.

لم نكد نستطيع النوم في تلك الليلة، انتظارا للصباح؛ صباح يوم العيد.. لا نرى النور إلا ونهرع لوالدينا نقبل أياديهم ونتسلم عيدياتهم النقدية ونلبس ملابس العيد. يبدأ الضجيج والصياح.. هذا بنطلونه لا يدخل في رجله، وذاك ردان سترته أطول من ذراعه، والمحروسة ليلى قندرتها ضيقة.. تبدأ في البكاء، ويبدأ أخوها في الاحتجاج والشكوى من لون قميصه. ولكنهم سرعان ما يتعلمون كيف يقتضي علينا في عالمنا العربي أن نتحمل ونتأقلم مع النواقص وكل ما فيه من حيف.. ينطلقون أخيرا إلى «الفرجة»، أماكن اللعب والتفرج وركوب الحمير وينشدون: «يا عيد يا ابو النمنمة خذني وياك للسينما».