القارة التي كان ملك ملوكها

TT

الرؤساء الأفارقة مزنوقون.. من جهة يشعرون بالحرج لأنهم يتخذون من ليبيا موقفا مغايرا للأكثرية الدولية، ومن جهة لا يدرون ماذا حل بملك ملوكهم. فما دام حرا فلا شيء يمنعه من أن يكشف، من أي إذاعة تحت الأرض، عن لائحة الذين تلقوا منه الذهب وأسباب ذلك؛ فهو لم يتردد لحظة واحدة، في بداية الانتفاضة، في الإعلان عن أن الرئيس نيكولا ساركوزي تلقى منه 50 مليون دولار لدعم حملته الانتخابية. ولعل تلك الرعونة المتوقعة منه، وغير المألوفة في علاقات الأمم، كانت سببا رئيسيا في تصعيد الموقف الفرنسي ضده، بحيث قادت باريس الحملة الأطلسية.

يحكم الموقف الأفريقي اللاأخلاقي أمران؛ الأول: العلاقة الشخصية، لا الرسمية، بين الزعيم وعدد كبير من الرؤساء. والثاني: أن لمعظم هؤلاء ملفا دمويا قمعيا ملعونا؛ لذلك كان سقوطه خسارة أفرادية مفاجئة، وكسبا أفريقيا عاما. قل عدد الذين يشجعون الخراب ويمولون الحروب ويصادقون الذين يقوم حكمهم على قطع أيدي الأطفال وعلى تجارة الماس. ولن تجد أفريقيا بعد الآن رئيسا زائرا يرسل لجانه الشعبية إلى البلد المضيف قبل وصوله لترفع في العاصمة ملصقات حجمها أكبر 10 مرات من حجم صور رئيس البلد. ولِمَ لا؟ ألم يدفع هو التكاليف وفوقها حبة مسك؟ أليس هذا ما عناه نجله عندما قال: «كانوا يأتون إلى هنا ويلعقون أحذيتنا»؟

فشلت الوساطة الأفريقية في حقن دماء الليبيين التي جرها خلفه؛ لأنهم لم يجرؤوا على إبلاغه سوى ما أراد أن يسمع. وهو لا يسمع. هو يحكي. ولم تكن هذه أول مرة يظهر الاتحاد الأفريقي عجزا سياسيا وقصورا أخلاقيا. فالقارة ضربت الرقم القياسي بين القارات في عدد الماثلين أو المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية. ومنذ موجة الاستقلال تحولت إلى تجمع طغاة وساحة حرب على الشعوب والفقراء، وتركها زعماؤها تمرض وتجوع وعاثوا فيها فسادا مريعا وحروبا أهلية. وما حققته القارة من نجاح نسبي إنما حققته على الرغم من الرؤساء الأزليين وليس بقيادتهم.

بدأ بعض الرؤساء، مثل جار ليبيا في النيجر وضابط بوركينا فاسو، في التملص من الموقف الأفريقي العام حيال المجلس الانتقالي، مع العلم أن رئيسي البلدين من أقرب حلفائه. وكلما تأكد أنه خسر انفرط من حوله ملوك أفريقيا ورؤساؤها. وبالتأكيد سوف تقل حروب أفريقيا وصراعاتها. وسوف ترتاح تونس من الصخب الذي يرافق زيارات المعتصم. ويكون للمغرب جار أكثر تواضعا وأقل عجرفة. وتخسر جزائر بوتفليقة في ذهاب القذافي صديقا ظلت تساعده حتى اللحظة الأخيرة. وسوف تخسر أيضا، هي وروسيا والصين وجنوب أفريقيا، أي علاقة ودية مع المجلس الانتقالي.