الوقت والمال والبطالة

TT

ماذا يفعل الأفراد بعد أن يفقدوا وظائفهم غير البحث عن أخرى جديدة؟ كان ذلك السؤال الرئيس في الدراسة الجديدة التي شارك فيها مارك أغويار وإريك هيرست ولوكاس كاراباربيوس التي أشاروا فيها إلى أن العاطلين عن العمل يخصصون وقتا أطول للمشاركة في أعمال المنزل غير المدفوعة بما في ذلك رعاية الأطفال، وقد عبرت نتائج الدراسة عن قصور المقاييس التقليدية للرفاه الاقتصادي القائم على دخل السوق.

فعندما أوصانا بنجامين فرانكلين بأن: «الوقت هو المال: كان يعيش في زمن كان الكثير من أفراده من أصحاب المهن الحرة وكان بمقدورهم على الأقل زرع طعامهم الخاص. لكن عالمنا الحالي يصعب فيه تحويل الوقت إلى مال ما لم تجد وظيفة مدفوعة.

بيد أن الأميركيين في عمر الخامسة عشرة أو من هم أكبر من ذلك (بما في ذلك الطلبة والمتقاعدون) يخصصون للأعمال غير المدفوعة في المتوسط نفس القدر من الوقت تقريبا الذي يخصصونه للأعمال المدفوعة (نحو 23 ساعة أسبوعيا من الأنشطة المنزلية والتسوق والقيام بالإصلاحات المنزلية والعناية بالأطفال ومساعدتهم والمشاركة في الحملات التطوعية مقارنة بخمس وعشرين ساعة أسبوعيا للأعمال المدفوعة والأنشطة المرتبطة به، بحسب البيانات الصادرة عن التقرير الأميركي لاستغلال الوقت لعام 2010.

ويوفر الوقت المخصص للأعمال غير المدفوعة بديلا جزئيا لخفض نفقات المستهلك. فأصبح بمقدور الأفراد خفض الإنفاق في المطاعم عبر إعداد وجباتهم الخاصة والعناية بأفراد الأسرة بدلا من العناية اليومية بالأطفال والعناية بالكبار، وتنظيف المنزل بدلا من استئجار خادمة، أو إصلاح السقف بأنفسهم بدلا من استئجار متخصص لذلك. قد يكون التسوق متعة في بعض الأوقات، لكنه أيضا عمل بحث يمكن أن يوفر فيه الوقت والجهد المتزايد المال. وقد أظهر الدكتور أغويار وهيرست خلال البحث أن المنازل التي تتسوق مرتين بصورة منتظمة تدفع أسعارا تقل من 7 إلى 10 في المائة.

ويبدو الأفراد المتقاعدون أكثر تكيفا على الاقتصاد في ميزانياتهم، فإضافة إلى الشراء بحرص بالغ، عادة ما يخفضون من ميزانياتهم الخاصة بالإنفاق على الطعام - نموذج أدى بالعديد من الاقتصاديين إلى الافتراض بأنهم لم يوفروا ما يكفي لتقاعدهم. لكن البروفسور أغويار وهيرسيت أظهرا أن معدل استهلاك الطعام لدى المتقاعدين لم يتراجع. إنهم بدلا من ذلك زادوا من الوقت المخصص لإعداد الطعام وطهي المزيد من الوجبات لأنفسهم.

كانت الدراسات الأخرى الخاصة بتأثير البطالة على توزيع الوقت قد خلفت تأثيرا محدودا، وعددا ضئيلا من المقالات الإخبارية بشأن «تبديد العاطلين عن العمل وقتهم». لكن أغويار وهيرست وكاراباربونيس قدموا صورة مختلفة للغاية في بحثهم الذي نشر مؤخرا لصالح المكتب الوطني للبحث الاقتصادي الذي جاء تحت عنوان «استغلال الوقت خلال الكساد».

وفي تحليل اقتصادي إحصائي متطور للبيانات الواردة في بحث استغلال الوقت الأميركي، قاموا بالسيطرة على الاتجاهات الكامنة ومقارنة الاختلافات في استغلال الوقت عبر الولايات بمستويات مختلفة من البطالة.

ووجدوا أن ما يقرب من 30 في المائة من ساعات العمل الضائعة في السوق خلال الكساد تمت إعادة تخصيصها إلى الأعمال المنزلية وما يقرب من 5 في المائة إلى رعاية الطفل. إضافة إلى إعادة تخصيص 10 في المائة إلى التعليم والرعاية الصحية والأنشطة المدنية. في الوقت ذاته، زادت نسبة الوقت المخصصة للبحث عن عمل، لكنها لا تزال صغيرة نسبيا، ربما لأنه لا يوجد الكثير مما يمكن للأفراد القيام به أثناء عدم توافر العمل.

القسم الأكبر من الوقت المتبقي ذهب إلى زيادة أوقات النوم والمتعة، بما ذلك المزيد من مشاهدة التلفزيون. ومن غير المثير للدهشة أن النساء كن أكثر احتمالية لتخصيص مزيد من الوقت للأعمال المنزلية. كما زادت لديهم أيضا عدد ساعات النوم.

من ناحية أخرى، تشير الزيادة الإجمالية في الأعمال غير المرتبطة بسوق العمل إلى أن الاستهلاك المنزلي بين العاطلين انخفض عن دخل السوق، لكن من الصعب وضع قيمة دولارية للعمل غير المدفوع. وعندما يقوم الأفراد باتخاذ قرار تطوعي باستبدال الوقت بالمال، يمكننا استخلاص شيء ما بشأن القيمة النسبية التي وضعوها عليها.

لكن بعض البطالة إجبارية، وبعض الأعمال غير المدفوعة ربما تمثل محاولة للبقاء مشغولا أكثر منها إسهاما حقيقيا في مستويات المعيشة المنزلية.

وشدد المؤلفون على التأثير الأضخم نسبيا للبطالة على الأعمال غير المدفوعة لأنها من ناحية نتيجة جديدة، ومن ناحية أخرى تناقض الانطباع الخاطئ الذي عبر عنه البروفسور هيرست بالقول «كان الكساد الكبير إجازة كبيرة».

لكن من المهم أيضا الإشارة إلى أن غالبية العاطلين عن العمل لا يمكنهم تخصيص المزيد من وقت الفراغ الذي حصلوا عليه لأغراض إنتاجية حتى وإن رغبوا في ذلك. فهم يفتقرون إلى رأس المال والأرض والأدوات والمهارات المطلوبة لتحول مرن من العمل براتب إلى الإنتاج لصالحهم الشخصي. وحتى عندما يتمكنون من القيام بتحول جزئي فيتوقع أن تكون إنتاجيتهم أكثر انخفاضا في الأعمال غير المدفوعة من الأعمال المدفوعة.

لعل ذلك هو السبب في كون البطالة القسرية تشكل مثل هذا الإهدار للقدرات الإنسانية وخسارة المخرج المنتج للاقتصاد ككل.

وربما كان ذلك السبب في أن بنجامين فرانكلين، لو كان حيا اليوم، لسخر من صناع السياسة الذين لا يعتبرون البطالة أكثر قضايانا الاقتصادية إلحاحا.

* أستاذة الاقتصاد في جامعة

ماساتشوستس أمهيرست.

* خدمة «نيويورك تايمز»