وسوف يبقى العنف!

TT

من عشرات السنين كانت أهم الحوادث اليومية أن أحدا ركب على الشمال - ركب الترام أو المترو أو الأتوبيس ثم سقط على الأرض أو أصابته سيارة أخرى فسقط جريحا أو ميتا، وتضاءلت هذه الأحداث، إذا ما قورنت بالأحداث الأخرى!

ومن خمسين عاما كان من أهم ما تكتبه الصحف يوميا أن إحدى العاملات في كافتيريا هيلتون قد عاكسها أحد الزبائن أو أن الصينية وقعت من يديها لأنها تعثرت.. وتنتهز الصحف فرصة هذا الحادث فتصف لنا ملامح وجهها وجسمها وتظل الصحف تتابعها حتى تختفي من هيلتون - لأنها تزوجت من أحد الزبائن!

وكثرت العاملات في الفنادق والمطاعم ولم يعد حدوث شيء من ذلك يستحق الكتابة.. والآن تسهب في وصف حوادث العنف: القتل والاغتصاب والانتحار.. وكلها من معالم المدن الكبرى والتوتر العصبي والضيق الاجتماعي والعناء الاقتصادي والشعور بالفشل العام.. وكل ذلك مألوف في المجتمعات الكبرى، ولذلك لا تلقى هذا القدر الهائل من الحفاوة الإعلامية والدعاية المضادة، كما أن أحدا لا يكتب عن عادم السيارات، لأنه ما دامت هناك سيارات كثيرة فلا بد أن يكون لها احتراق.. وإذا كان هناك أحد يشكو من هذا الاحتراق فلعل أحدا من العلماء يفكر في طريقة للتخفيف من سموم هذه المواد الكيماوية، ولكن سوف يبقى عادم السيارات والمصانع، ولم يعد يتحدث عن عادم السيارات، وإنما العالم كله مشغول بالتراب الذري ومخلفات القنابل التي يفجرها الغرب والشرق تحت الأرض وتحت الماء.. ويطلقونها في سفن فضاء تدور حول الأرض.

حتى هذا قد اعتدنا على سماعه وقراءته.. كما أننا لم نعد نستنكر الحروب في دول كثيرة من العالم، فقد اعتدنا على قراءته ورؤية ذلك.. ولا أتوقع أن تتوقف أحداث العنف في كل مكان ولكن أتوقع فقط أن نعتاد على ذلك.. لأن الأسباب التي تدفع إلى الجريمة موجودة وتزداد قوة وعمقا.. سوف نعتاد على ذلك. كما اعتدنا على التدخين والحشيش والغش والتهريب.. والسخط على أنفسنا وكل شيء!