معا وفورا

TT

تمسكوا بقبعاتكم وبمحافظكم. منذ نهاية الحرب الباردة، ظل النظام العالمي متماسكا إلى حد بعيد من خلال أربعة أنظمة حكم مهمة قائمة على صفقات. تتفكك تلك الأنظمة الأربعة حاليا، مما يجعلها بحاجة إلى إعادة بناء. أمور كثيرة تتعلق بما يوجد داخل محفظتك وبما إذا كانت قبعتك سوف تطير أم لا، هي التي ستحدد ما إذا كان هذا سيحدث ومتى سيحدث بدءا بالولايات المتحدة.

دعني أقل إن الاتحاد الأوروبي يتصدع وكذلك العالم العربي. ويعاني نموذج النمو الصيني من ضغوط، والنموذج الأميركي الرأسمالي الذي يوجهه الائتمان يواجه إنذارا بحدوث أزمة قلبية، وهناك حاجة ماسة إلى إعادة التفكير على نحو شامل.

سوف تتطلب عملية إعادة صياغة أي من الأربعة فقط جهدا جهيدا، فما بالك بصياغة الأربعة معا في وقت يعاني فيه العالم من تفكك كبير. نحن نشهد مرة أخرى عملية التشكيل، لكن تشكيل ماذا؟

فلنبدأ بالشرق الأوسط، الذي يعد مصدر نفط العالم.. لقد لحق الليبيون بالتونسيين والمصريين واليمنيين في خلع حكامهم المستبدين، بينما يأمل السوريون والإيرانيون في اللحاق بركبهم عما قريب. حينما يحين الوقت سيتم التخلص تقريبا من كل حاكم مستبد في الشرق الأوسط؛ إما بخلعه، أو بإجباره على تقاسم السلطة. لا يمكن أن يستمر النموذج القديم القائم على الحكام الديكتاتوريين العسكريين الذين يسيطرون على عائدات النفط ويتشبثون بالسلطة بحماية من جيوشهم وقوات أمنهم التي تخصص لها أموال طائلة ويشترون نفوس قطاعات أساسية من شعوبهم. انتهى ذلك بفضل الشباب القوي الذي بوسعه أن يرى كيف يعيش الآخرون ولم يعد مستعدا لتقبل أن يظل متأخرا ومهانا وعديم الحيلة ومحروما من التعليم الجيد والوظائف التي تتناسب مع مؤهلاته. لكن في الوقت الذي تنفصم فيه عرى هذا النظام في الشرق الأوسط القديم القائم على القبضة الحديدية وحفنة دولارات النفط التي تربط المجتمعات متعددة الأعراق والأديان، ستستغرق هذه المجتمعات وقتا لصياغة عقود اجتماعية جديدة تحدد طريقة معيشتهم من دون القبضة الحديدية للسلطة. كن مفعما بالأمل في الأفضل، لكن تأهب لحدوث أي شيء.

أما في اتجاه الشمال، فنجد الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو. فلتكن لدينا وحدة نقدية وعملة موحدة، لكن لتتبنى كل دولة السياسة المالية المناسبة لها ما داموا أقسموا على العمل والمساعدة في الإنقاذ مثل الألمان. لكن هذا مثالي للغاية، فبرامج الرفاهة الحكومية في بعض الدول الأوروبية تؤدي إلى تراكم ديون الحكومة، التي تكون أكثرها مستحقة لمصارف أوروبية، لو لم يكن هناك عائد لتمويلها من الإنتاج المحلي، مما يؤدي بدوره إلى ثورة من المقرضين.

ويعمل منقذو الإنتاج في أوروبا الشمالية على صياغة اتفاق جديد مع الدول المسرفة وهي البرتغال وإيطاليا وآيرلندا واليونان وإسبانيا. من غير المرجح أن تنفصل ألمانيا عن الاتحاد الأوروبي، فالجزء الأكبر من صادراتها يذهب إلى هذه الدول المسرفة غير التنافسية. عوضا عن ذلك، تحاول دول أوروبا الشمالية فرض الالتزام المستند إلى قواعد بعينها على هذه الدول. لكن إلى أي مدى تستطيع تلك الدول تحمل هذا التقشف خاصة في ظل ازدياد التوترات الاجتماعية بسبب فترات الركود المتجذر؟ من المحتمل أن يخرج الإنجليز إلى الشوارع. وسيصبح الاتحاد الأوروبي أصغر حجما أو أقل كرما بطريقة أو بأخرى، لكن يمكن أثناء ذلك أن تتجه الأمور نحو انتقال فوضوي يهز العالم ولم يصل إلى السوق بعد.

أما إذا اتجهنا شرقا، فسنجد الصين تعتمد على نموذج قائم على عملة يتم تخفيض قيمتها عمدا ونمو يستند إلى التصدير مع استهلاك محلي منخفض ومعدلات ادخار مرتفعة. أتاح ذلك للحزب الشيوعي الحاكم الحفاظ على صفقة فريدة مع شعبه تتلخص في توفير وظائف له ورفع مستوى المعيشة في مقابل السماح له بالبقاء في السلطة. لكن هذه الصفقة مهددة حاليا، حيث استمرار البطالة في السوقين الأوروبية والأميركية اللتين تعدان أهم سوقين للصين تجعل من النموذج الصيني القائم على خفض قيمة العملة وانخفاض الاستهلاك وزيادة التصدير غير قابل للبقاء بالنسبة للعالم.

كذلك على الصين أن تصبح دولة غنية قبل أن تشيخ، وعليها أن تنتقل من النموذج القائم على ادخار الوالدين لطفلهم إلى نموذج قوامه طفل يدفع معاشا لوالديه. وعليها من أجل تحقيق ذلك أن تتحول من الاقتصاد القائم على التقليد إلى آخر قائم على الابتكار والخدمات والمعرفة. ويتطلب هذا المزيد من الحريات وسيادة القانون ويمكن أن نرى ازدياد المطالبات بذلك.

أما بالنسبة لأميركا، فقد شهدنا ازدهارا خلال العقود الأخيرة في ظل الاقتصاد القائم على الائتمان والاستهلاك، حيث حافظنا على الطبقة الوسطى من خلال استخدام مزيد من المنشطات مثل القروض الميسرة والرهن العقاري بأسعار فائدة منخفضة وأعمال البناء. لقد وضعنا هذا في مأزق، والطريقة الوحيدة للخروج منه الآن هو اتباع سياسات جديدة مختلطة تجمع بين خفض النفقات، وزيادة الضرائب، والإصلاح الضريبي، والاستثمارات في البنية التحتية، والتعليم، والبحث، والإنتاج. لكن هذا المزيج ليس هو البرنامج الذي يطرحه أي من الحزبين. إما إن يجد الحزبان طريقة للتعاون في ما يتعلق بهذه السياسات الجديدة المختلطة، أو أن يظهر حزب ثالث، أو أن نبقى كما نحن عالقين بينما يزداد الألم.

عندما يمر العالم بالكثير من التغيرات الجذرية معا في ظل ارتفاع معدلات البطالة والاقتصادات البطيئة، فهناك حاجة ماسة لقوة وثبات أميركا، التي تعد أهم الأعمدة التي يقوم عليها العالم. إذا لم نعمل معا، وهو الأمر الذي سيستلزم إجراء جماعيا عادة ما يتم في فترات الحروب، فنحن بذلك لسنا فقط نطيل أمد الأزمة الأميركية، بل نصنع أزمة عالمية جديدة.

* خدمة «نيويورك تايمز»