عبد الجليل.. الدمشقي!

TT

عمر الثورتين الليبية والسورية متقارب بفارق زمني أقل من شهر (17 فبراير «شباط» و15 مارس «آذار»)، المظالم واحدة تقريبا وكذلك المطالب في الحرية والعدالة مع اختلاف التفاصيل وطبيعة المجتمعين وأسلوب الحكم الشمولي.. الأولى نجحت تقريبا، والثانية ما زالت تقاوم مختلف أساليب القمع التي أخذت شكلا دمويا.

في ليبيا، لجأ القذافي إلى القمع مباشرة دون أي محاولة لتغليف ذلك بأي مبادرة سياسية متوجها بسؤاله الشهير إلى المتظاهرين: من أنتم؟ ووصفهم بالجرذان، إلى آخر القائمة، فرد المنتفضون على السلاح بالسلاح حتى حاصروه في طرابلس وأخرجوه منها.

في سوريا، لجأ النظام إلى السلاح مع تغليفه بخطاب سياسي وإعلامي يتحدث عن مسلحين وإرهابيين ووعود بإجراءات إصلاح سياسي لم يصدقها الناس، لأنهم لم يروا على الأرض سوى الرصاص فأصبحت الثقة مفقودة، وعلى الرغم من ذلك ظلت الثورة السورية في مجملها سلمية مع إصرار من قبل المحتجين على الطابع السلمي لاحتجاجاتهم.

الفارق الأكبر بين الحالتين أنه في ليبيا وجد المحتجون شخصيات من داخل النظام أغضبها الأسلوب الذي اتبعه القذافي في الرد على مطالب شعبه فانشقت عليه وقدمت استقالاتها، معلنة انضمامها إلى الثوار وعلى رأسهم مصطفى عبد الجليل وزير العدل السابق في حكومة القذافي الذي أصبح رئيسا للمجلس الانتقالي الذي كانت قيادته في بنغازي وأصبح رمزا للثورة وصوتها الحكيم في ظروف صعبة. ولم يكن عبد الجليل وحده، فهناك جيش من المسؤولين والدبلوماسيين والقادة العسكريين بينهم عبد الفتاح يونس، انشقوا وانضموا إلى الثورة بما أعطاها زخما، ومدها برجال لديهم خبرة في الحكم ومعرفة بدهاليزه. الثورة السورية أقل حظا من نظيرتها الليبية، فلم يظهر فيها حتى الآن عبد الجليل السوري أو الدمشقي على غرار حالة مصطفى عبد الجليل في ليبيا، ولم يستقل أي مسؤول في الحكومة أو القيادة العليا للبلاد معربا عن غضبه مما يحدث أو قلقه من المسار الذي تؤخذ فيه البلاد. فستة أشهر من الانتفاضات والمظاهرات وأكثر من ألفي قتيل بخلاف المصابين والمعتقلين، لم تظهر صوتا معارضا من داخل النظام، وهو أمر محير، وكأن الجميع اتفقوا على الغرق معا في سفينة واحدة، هل هو الخوف، أو أن أحدا ينتظر اللحظة المناسبة؟!

التساؤل عن عبد الجليل السوري أو الدمشقي لا يعني الرغبة في أن تأخذ الثورة السورية المسار المسلح للثورة الليبية، فظروف كل مجتمع تختلف عن الآخر، والثوار في ليبيا لم يكن لديهم خيار آخر وإلا تعرضوا للإبادة بكل أنواع الأسلحة، وقد قام «الناتو» بتوفير الغطاء الجوي لهم وإلا لكانوا قصفوا بالطائرات.

مع ذلك، فلا أحد يضمن ألا تأخذ سوريا نفس الاتجاه إذا استمر انسداد الأفق؛ احتجاجات ومدن تنتفض ولا تجد أمامها سوى دبابات وشبيحة، ونظام بدأ أصدقاؤه وحلفاؤه مثل إيران يبتعدون عنه ويدعونه إلى الاستجابة للمطالب المشروعة لشعبه، بينما قالت تركيا إنها فقدت ثقتها به وتقف إلى جانب الشعب، ودول عربية حاولت التدخل متأخرة فوجدت الباب موصدا ولا أحد يريد أن يسمع.

إذا كان هناك من ينتظر، فإن هذه هي اللحظة المناسبة للضغط على النظام من داخله، أو إذا كان النظام يريد إنقاذ نفسه وبلده فعليه القيام بخطوة جادة تقنع الناس بأن هناك مسارا واضحا للتغيير مثل تعيين شخصية معارضة أو مستقلة يحترمها الناس لرئاسة حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة تقوم بالمحاسبة والتغيير والإشراف على فترة التحول إلى نظام ديمقراطي كما يطالب به الناس.