هل انتهى الدور التركي في سوريا؟

TT

كانت مفاجأة غير سارة للكثيرين حينما عارضت تركيا الموقف الأميركي بالدعوة لتنحي الرئيس السوري، بشار الأسد. لم يصدقوا أن هذا موقف تركيا التي كان وزير خارجيتها قبل بضعة أيام يوجه الإنذار الأخير للنظام السوري بوقف قمع المحتجين. والإنذار، كما فهمه السوريون؛ القادة والشعب، هو تهديد يسبق فعلا حاسما، لكن ما حصل أن رياح تركيا جاءت على غير ما تشتهي سفن الثوار السوريين.

والحقيقة على الرغم من أن الموقف التركي الأخير خذل المحتجين السوريين وأغضب العرب المتابعين، فإنه جاء ليسدل الستار على دور مهم جدا لعبته تركيا خلال الأشهر الخمسة الماضية، دور أخلاقي وإنساني قامت به بمفردها دون الاتكاء على موقف عربي واضح، ومن دون الولايات المتحدة التي تأخرت بسبب حسابات الربح والخسارة لصالح إسرائيل، وبلا أوروبا التي خشيت أن تكرر تجربتها الصعبة في ليبيا في منطقة أخرى أكثر تعقيدا في ظروفها وعلاقاتها. تركيا كانت لاعبا رئيسيا على مسرح الحدث السوري وأثرت بشكل كبير على سلوك النظام، فكبحت شراهته لسحق الناس في الشوارع بالدبابات، صحيح أن أعمال العنف لم تتوقف، ولكنها بالتأكيد كانت مرشحة لأن تكون أشد فظاعة لولا الدور التركي الضاغط.

تتمنى تركيا لو تتحكم بأكثر من الخيوط التي بيدها لتتربع على مقعد قيادة المنطقة، وربما استطاعت ذلك لو كانت إيران ليست أبا روحيا للنظام السوري، ومدافعا مستميتا للإبقاء عليه ولو جريحا أو منبوذا أو منعزلا عن العالم. إيران تعلم أن انهيار النظام السوري سيهدد مشروع التوسع الصفوي الكبير الذي جعله الخميني عقيدة لأتباعه. فسوريا بنظامها الحالي تضم تحت جناحها الأيمن حزب الله في لبنان، وحركة حماس في غزة تحت جناحها الأيسر، وهي رعاية جغرافية لوكلاء النظام الإيراني في المنطقة العربية.

النظام السوري بالنسبة لإيران ليس مجرد حليف، بل إن وجوده متماسكا مسألة حياة أو موت للنفوذ الإيراني على الأقل حتى تجد له بديلا، وما التغير في الموقف التركي عن دعم الثورة السورية مؤخرا إلا لأنها أدركت أنها لا تواجه بشار الأسد وحزبه فقط، بل هي مواجهة ضمنية مع طهران أيضا. إن انفراد تركيا بالتأثير على الأحداث السورية جعلها في مرمى العداء الإيراني الذي لوى ذراعها من خلال عدوها اللدود، حزب العمال الكردستاني، الموجود على الأرض الإيرانية والعراقية وفي الداخل التركي أيضا، خاصة أن تركيا تنتظر حسما مع الحزب قد يكون عسكريا، كما هدد أردوغان، أو من خلال عقد سلام معه بواسطة زعيمه المحكوم عليه بالسجن المؤبد في تركيا، عبد الله أوجلان، وهي احتمالات سيكون لإيران دور في التأثير عليها. في هذه الأجواء المضطربة لن تقدم تركيا المزيد من التضحيات من أجل السوريين.

الخصم الحقيقي اليوم هو إيران، هي خصم العالم الحر الثائر على الطغيان والفاشية، والغرب الذي أجل حسم موقفه من ملف إيران النووي، ومن ممارساتها العدوانية ضد جيرانها، وضلوعها في أعمال تخريب وإفساد في المنطقة، كل ذلك سيدفعون ثمنه تراكمات من التعقيدات والتداعيات المضافة.

قد تسجل تركيا في المستقبل القريب موقفا لصالح الثوار السوريين، ولكنه لن يكون مؤثرا ومنفردا كما في الشهور الماضية، بل ضمن باقة من المواقف الحازمة من السعودية وأوروبا وأميركا.

ربما تحفظ تركيا ماء وجهها أمام الرأي العام العربي والإسلامي بسحب سفيرها من دمشق، أو إطلاق تصريحات ترقيعية لموقفها الأخير، ولكن من المستبعد أن تخاطر بأكثر من ذلك، فتعرّض استقرارها الداخلي الأمني والاقتصادي للأذى في وقت يقف فيه العرب والغرب مستسلمين أمام الانتهازية الروسية متظاهرين بأنها أقوى منهم.

* كاتبة وأكاديمية سعودية

- جامعة الملك سعود