حرب صغيرة لكن عواقبها بالغة

TT

باريس - مقارنة بالتدخل الغربي في الخليج وأفغانستان والبلقان فإن الحرب في ليبيا تعتبر شأنا متواضعا، نظرا لاشتراك ما يقرب من 100 طائرة مقاتلة و12 طائرة مروحية مقاتلة.

بيد أن هذه الحرب الصغيرة والناجحة سيكون لها تداعيات استراتيجية كبيرة بالنسبة لـ«الناتو» والاتحاد الأوروبي نتيجة لقرار الرئيس أوباما «القيادة من الخلف» ورفض المستشارة أنجيلا ميركل التدخل.

ففي أعقاب الأيام الأولى من النزاع، أشار أوباما إلى أن الطائرات الهجومية الأميركية لن تشارك بعد الآن في المواجهات المباشرة، وأن الولايات المتحدة لن تقود عمليات التحالف. كانت تلك هي المرة الأولى منذ الحرب الباردة التي تقرر فيها الولايات المتحدة عدم تولي القيادة أو الاضطلاع بدور كامل في حرب كانت هي مشتركة فيها بصورة أو بأخرى.

كانت العواقب الإيجابية أن الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني، قد أتيحت لهما الفرصة لقيادة تحالف ناجح، وأن الحرب لن تمارس وفق الخطوط الأميركية المألوفة من القوة المفرطة أو «الصدمة والرعب».

فقد حافظت الطلعات الجوية على مواقع منشآت الاتصالات وتنقية المياه ومنشآت الكهرباء ومواقع البنية التحتية الحساسة كما هي لم تمس. ونتيجة لعدم انتشار أعمال النهب واسعة النطاق، كانت الحياة اليومية لغالبية الليبيين تعود إلى طبيعتها بسرعة. في الوقت ذاته كان لسياسة «القيادة من الخلف» تبعاتها السلبية على دفاعات حلفائها، و«الناتو» بشكل خاص.

حتى الحملة الليبية، افترض مخططو القوة الغربية أنه في أي عملية تحالف هناك مهام عسكرية محددة يتم توليها بشكل أكبر من قبل قوات الولايات المتحدة لتجنب ازدواجية الجهود. فإخماد الدفاعات الجوية للعدو وإغلاق الدعم الجوي احتكار أميركي محض. ومن ثم، فقد كان لغياب طائرات «إيه 10» للدعم الجوي القريب في ليبيا أثره في إطالة أمد الحرب.

إذا كانت «القيادة من الخلف» قد أصبحت القاعدة لا الاستثناء - افتراض مقبول بالنظر إلى حالة الاهتمام بالشأن الداخلي في الولايات المتحدة وخفض نفقات الدفاع - فإن على مخططي القوة الأوروبيين الاستثمار في بعض هذه المجالات. ونتيجة لأزمة الديون فإن مثل هذا الإنفاق سيأتي على حساب الاستثمارات الدفاعية الأخرى.

وبشكل عام، فإن فرنسا وبريطانيا (اللتين تستحوذان على نحو 60 في المائة من المشتريات في أوروبا) يتوقع أن تضعا أهمية كبيرة على قدرتهما في إدارة العمليات التي سيكون لها تأثير مباشر، مثل الحرب الليبية، على لعب دور ثانوي في عمليات ليس لها تأثير كتلك الدائرة في أفغانستان.

وستكون النتيجة المنطقية هي أن الأوروبيين سيركزون بشكل أكبر على دول جوارهم، بينما سيتحول «الناتو» إلى قوة أكثر إقليمية وأقل عالمية.

سيزداد هذا الاتجاه سوءا من خلال تبعات الفصل بين الأوروبيين تجاه حملة ليبيا، فغالبية «الناتو» والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، يقودها في ذلك دول مهمة - مثل ألمانيا وبولندا وتركيا - التي رفضت الاشتراك في الحرب على الرغم من القرار الصريح لمجلس الأمن الدولي.

في حالة ألمانيا تحول 20 عاما من التقدم نحو دعم المشاركة في الحروب التي أدارها «الناتو» ودعمتها الأمم المتحدة إلى النقيض الآن. فحتى الأصول ذات الملكية المشتركة مثل أسطول طائرات «الأواكس»، المملوك لـ«الناتو»، منع الجنود الألمان من المشاركة فيه على الرغم من أنها ليست طائرات قتالية.

ونتيجة لهذه الانقسامات العميقة، لم يكن «الناتو» في موقف يؤهله لإدارة الحرب من ناحية سياسية واستراتيجية؛ وهو ما يعني أن ذلك قام به 6 من شركاء التحالف في أوروبا وشمال أفريقيا. كان دور التحالف هو مزود خدمة من صيانة الطائرات المقاتلة ورحلات طائرات إعادة التزويد بالوقود وأصول جمع المعلومات والسفن الحربية.

ومن دون مساعدة «الناتو» والقدرات العسكرية الأميركية الهائلة التي ترتكز عليها، لكانت الحرب أمرا مثيرا لليأس، لكن ذلك لم يشفع لـ«الناتو» الذي تحول كمنظمة سياسية إلى كم مهمل في أعقاب الحرب الليبية. الأمر نفسه، وربما أسوأ، يمكن تطبيقه على الاتحاد الأوروبي الذي لعب دورا غير محدد في الحرب، ففي مجال الدفاع كشفت الحرب عن نفس الخلل البنيوي وأوجه القصور التي أبرزها تعامل الاتحاد الأوروبي مع أزمة اليورو.

مثل هذا الاتحاد لا يتوقع أن ينال الإرادة السياسية للحفاظ على مستوى الإنفاق الدفاعي الكفيل بالتعامل مع الشكوك الاستراتيجية الكامنة على أعتابه في الوقت الراهن نتيجة قرار الولايات المتحدة «القيادة من الخلف». ولا يتوقع أن تتمكن بريطانيا وفرنسا من تقديم مزيد من العون أكثر مما قامتا به في ليبيا، الذي لا يزال يقدم في أفغانستان.

* المستشار الخاص لمؤسسة

«أبحاث استراتيجية» في باريس

* خدمة «نيويورك تايمز»