دوافع شخصية وراء رفض بشار الأسد للمبادرة العربية!

TT

ليس أغلب الظن بل المؤكد أن الرئيس السوري بشار الأسد عندما اختار أن يتعامل مع قرار المجلس الوزاري (وزراء الخارجية) الأخير المتعلق بالأزمة السورية المتفاقمة على أساس: «أنه لم يكن»، وعندما تقصد أن يرفض استقبال الوفد العربي الذي كلف إبلاغه بقرار الجامعة العربية بهذا الخصوص، وأيضا عندما قرر عدم مشاركة بلده في اجتماع يوم السبت الماضي على مستوى وزير الخارجية، فإنه أراد توجيه إهانة للعرب كلهم، وهذا في حقيقة الأمر غير جديد ولا غريب بالنسبة لنظام كان قد تصرف بهذه الطريقة أكثر من مرة ومن طبعه أنه بقي يتعامل مع أشقائه العرب بطريقة نرجسية واستعلائية.

كان بشار الأسد هذا نفسه لا يزال وافدا جديدا على منظومة رؤساء الدول، وكان لم ينس بعد أن مجلس شعب أبيه قد بادر في جلسة لم تستغرق إلا بضع دقائق إلى تعديل الدستور السوري ليلائم المادة المتعلقة بعمر الرئيس عندما يتسلم صلاحيات الحكم مع سنوات عمره الذي كان وقتها أربعة وثلاثين عاما، لكن ومع ذلك فإنه لم يتردد في أن يكون خطابه في قمة بيروت العربية عام 2000 محاضرة مدرسية مطولة بقي يستنزف بها صبر قادة كان بعضهم أمضى في مواقع المسؤولية سنوات أكثر من سنوات عمره.

لقد كان بإمكان بشار الأسد أن يرسل وزير خارجيته وليد المعلم، الذي يعيش بطالة سياسية في هذه الأيام والذي يشغل وقته بالتنقل بين عشرات المواقع الإلكترونية وبمشاهدة الفضائيات الإخبارية وبخاصة فضائية «الجزيرة» وفضائية «العربية»، إلى اجتماع مجلس الجامعة العربية الذي انعقد في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية يوم السبت الماضي ليعرض وجهة نظره ووجهة نظر حكومته في كل الأحداث المتلاحقة والمتصاعدة التي بقيت تعصف بسوريا منذ الخامس عشر من مارس (آذار) الماضي، لكنه لم يفعل هذا واختار أن يتخذ ذلك الموقف الاستنكافي وأن يحل «العجرفة» والاستعلاء، كالعادة، في التعامل مع ذلك القرار الذي صدر عن هذا الاجتماع الهام الذي لم يكن متوقعا أن يصدر عنه ما صدر وبكل هذا الحسم والحزم والوضوح والشجاعة.

وهنا، فإن السؤال الذي قد يكون محيرا للذين لا يعرفون طبيعة هذا النظام المعرفة الكافية هو: لماذا يا ترى اتخذ بشار الأسد هذا الموقف «المتغطرس» الذي اتخذه ولماذا كان رده على أول مبادرة عربية للتعاطي مع أزمة بلاده، التي غدت مستعصية ومعقدة ومستفحلة، بطريقة غير لائقة، وذلك في حين أن المفترض، ما دام أن مصيره اقترب من مصير «الأخ قائد الثورة»، الذي كان يتحدث عن «زنقة» واحدة فأصبح في ألف «زنقة»، أن يكون أكثر مرونة وأكثر دبلوماسية ما دام أنه بحاجة إلى العرب وما دام أن هؤلاء ليسوا بأي حاجة إليه...؟!

والجواب الأول عن هذا السؤال هو أن مشكلة هذا الشاب، الذي من المفترض أنه أكثر تواضعا وأكثر اتساع أفق بحكم عوامل كثيرة من بينها عيشه في الغرب في بريطانيا ولو لسنوات قليلة، أنه مغرور بنفسه أكثر من اللزوم وأنه يعتقد اعتقادا جازما أنه فوق الآخرين في منظومة الحكام العرب، وهنا فإنه بالإمكان الإشارة إلى حادثة جرت على هامش المصالحة العربية المعروفة في قمة الكويت الاقتصادية جعلته يتخذ موقفا سياسيا نزقا من الرئيس المصري (السابق)، بقي يتخذه إلى أن تغيرت الأمور وحدث في مصر ما حدث، وملخص هذه الحادثة أن حسني مبارك بعد اكتمال تلك المصالحة صفعه، من قبيل التحبب وعلى أساس أنه بمقام أحد ولديه علاء وجمال، صفعة خفيفة على مؤخرته، ولذلك ولأنه فهم هذا بطريقة مغلوطة وعلى أنه استهانة به كرئيس دولة وأنه لم يعد ذلك الشاب الصغير الذي كان يلاطفه على أساس أنه الابن المحبوب لصديقه حافظ الأسد، فإنه بمجرد عودته إلى دمشق وسماع تعليقات المحيطين به على ما جرى قد بادر إلى التخلي عن تلك المصالحة وبقي يتمسك بالقطيعة السابقة مع رئيس أكبر دولة عربية.

إن هذه هي القضية الأولى وهي قضية رئيسية ويجب أخذها بعين الاعتبار دائما وأبدا لدى التعاطي السياسي مع أصغر الرؤساء العرب سنا، والدليل أن بشار الأسد قد ذهبت به غطرسته إلى الرد على الذين نصحوه بكيف يجب أن يتعامل مع كل هذه الأحداث التي تعصف الآن بسوريا عندما كانت لا تزال في بدايتها بالقول لهؤلاء بدل شكرهم: «إنه سيعلمهم ويعلم آباءهم الديمقراطية». أما القضية الثانية، فهي قناعته بأن كل العالم يتآمر عليه باستثناء إيران وأن أي تعاط مع المحتجين بغير القوة العسكرية وجنازير الدبابات سوف يكون نهاية حكمه وحكم عائلته.

وأيضا فإن هناك من يقول، وهذا يحتاج إلى المزيد من التأني والمزيد من الأدلة، إن الرئيس السوري، الذي غدا مقتنعا بعد أن وصلت الأمور في بلاده إلى ما وصلت إليه بأنه لا عودة إلى أوضاع ما قبل الخامس عشر من مارس (آذار) الماضي، حتى لا يخسر كل شيء وحتى يحتفظ ولو بحكم جزء صغير من سوريا، فإنه يجب أن يستمر بهذا التعاطي العسكري الغاشم مع كل هذه الاحتجاجات إلى أن تنتهي الأمور إلى حرب أهلية، إن هي حدثت فإنها ستؤدي إلى التقسيم وإلى إنشاء تلك الدويلة العلوية التي كان رفضها المجاهد الكبير العروبي (العلوي) صالح العلي قبل أكثر من ستين عاما عندما عرضها عليه المستعمرون الفرنسيون لقاء التخلي عن ثورته الشهيرة، والتي ترفضها غالبية هذه الطائفة التي تنظر إلى هذا الحكم على أنه ليس حكمها وأن بقاءه يشكل وبالا عليها كما هو على الشعب السوري كله.

في كل الأحوال، إنه لم يعد أمام العرب، بعدما رفض هذا النظام مبادرتهم الأخيرة بتحد وبطريقة فجة واستعلائية، إلا أن يتصرفوا معه على أساس أنه نظام مارق يجب عدم تركه يتلاعب على هذا النحو بأمن ومقدرات دولة عربية رئيسية باتت شؤونها الداخلية تعتبر شؤونا داخلية حتى لغير المجاورة لها من الدول العربية وغدت معرضة فعلا للفوضى الهدامة وللحرب الأهلية المدمرة وللانقسام والتحول إلى دويلات طائفية ومذهبية متحاربة على غرار ما كان عليه وضع ممالك الطوائف قبل نهاية الحكم العربي والإسلامي في الأندلس.

ولذلك ولأنه لم يعد هناك أي مجال لسياسة المهادنات والملاينات والاسترضاء، فإنه لا بد من الاستعانة بآخر الدواء وهو «الكي» الذي هو في مثل هذه الحالة التوجه لمجلس الأمن الدولي وللأمم المتحدة لتوفير حماية حقيقية للشعب السوري الذي بات يواجه، بعد ما تعقدت الأمور ووصل العنف إلى ذروته، حرب إبادة حقيقية على غرار حرب الإبادة التي شنها ذلك الطاغية التاريخي بول بوت على الشعب الكمبودي في سبعينات القرن الماضي.

لقد اختار هذا النظام أن يغلق كل الأبواب أمام كل محاولات ونصائح التهدئة ووقف العنف ومعالجة الأمور بالوسائل السلمية، حتى بما في ذلك النصيحة الإيرانية التي لم تكن خالصة لوجه الله والتي جاءت كغطاء للتدخل الإيراني السافر في شؤون سوريا الداخلية، واختار الإصرار على حلول التصعيد والعنف والقوة العسكرية الغاشمة وهذا يقتضي تطوير هذه المبادرة العربية والارتقاء بها إلى آليات عملية من بينها، بالإضافة إلى التوجه إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة وكل الهيئات الدولية المعنية، الضغط على روسيا والصين لتغيير موقفيهما المستغربين دعم المعارضة السورية بالإعلام والأموال وبالسعي لتوحيد فصائلها في الداخل والخارج والبدء بالتعاطي معها تدريجيا على أنها هي التي تمثل الشعب السوري وعلى غرار ما حصل مع المجلس الانتقالي الذي كانت شكلته المعارضة الليبية.