مصر ترفض التضحية بسيناء دفاعا عن الأسد

TT

استغلت عائلة الأسد الشعور القومي لدى المصريين عدة مرات للدفاع عن نظامها في سوريا، وفي كل مرة كانت مصر هي التي تدفع الثمن غاليا. ففي يونيو (حزيران) 1967 طالب حافظ الأسد من مصر الوقوف أمام إسرائيل خوفا من مهاجمتها لحدود سوريا، وكانت النتيجة أن فقدت مصر شبه جزيرة سيناء وتم إغلاق الملاحة في قناة السويس. وفي في أكتوبر (تشرين أول) 1973 أثناء حرب تحرير سيناء، طالب حافظ الأسد مصر مرة أخرى بتطوير المصريين للقتال لتخفيف الضغط عليه في مرتفعات الجولان، وكانت النتيجة أن تمكنت إسرائيل من إحداث ثغرة في خط الدفاع المصري وعبور قناة السويس لتهديد العاصمة المصرية في القاهرة. وأخيرا قام حلفاء الأسد بتحريض المصريين لإلغاء معاهدة السلام ومواجهة اسرائيل في سيناء، حتى يتمكن بشار من حماية نظامه المتصدع أمام ثورة شعب سوريا. لكن شعب مصر خيب آمال بشار الأسد هذه المرة، ورفض التضحية بسيناء من جديد لحماية النظام القمعي في سوريا.

فقد انتقل بعض أفراد من جماعة الجهاد الإسلامي التابعين لسوريا من غزة عبر سيناء المصرية، وعبروا حدودها إلى جنوب إسرائيل. وهناك بالقرب من ميناء إيلات، قتلت جماعة الجهاد وهم يرتدون ملابس عسكرية مصرية، ثمانية من المدنيين والعسكريين الإسرائيليين. ومن المعروف أن قادة الجهاد الإسلامي يعيشون في دمشق في حماية بشار الأسد، وهم قلقون من سقوط النظام يفكرون في الهرب إلى طهران. وفي أثناء مطارة القوات الإسرائيلية للمهاجمين عند الحدود المصرية، سقط خمسة من قوات الأمن المصري، مما أزعج المصريين الذين طالبوا إسرائيل بتقديم الاعتذار. ودعت بعض القوى المتعاطفة مع جبهة الممانعة في مصر إلى مليونية تخرج من ميدان التحرير في جمعة 26 أغسطس (آب) الماضي، للمطالبة بإلغاء معاهدة السلام وقطع العلاقات مع إسرائيل. وكانت هذه الدعوة بمثابة استطلاع لموقف الشعب المصري بعد الثورة، تجاه الأصوات المنادية بإلغاء معاهدة السلام والانضمام إلى ممانعة سوريا وإيران.

ومحاولة منه لحث المصريين على الخروج دفاعا عن النظام السوري، ألقى أمين عام حزب الله اللبناني خطابا في ذكرى يوم القدس غازل فيه الشعب المصري، ملمحا الى ضرورة إلغاء اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، حتى تعود مصر مجددا إلى جبهة القتال. وقال نصر الله: إن الوقفة التي نشاهدها هذه الأيام في مصر مؤشر على مرحلة جديدة تعني وجود تحول استراتيجي في المنطقة. وحيا الأمين العام لحزب الله - الذي تشارك قواته مع خبراء إيرانيين في قمع المتظاهرين في سوريا - الموقف المصري تجاه إسرائيل، مؤكدا دعم إيران الدائم لقوى الممانعة. وأكد نصر الله بكل وضوح وقوفه إلى جانب سوريا التي استطاعت الصمود خمسة وعشرين عاما في جبهة الممانعة ورفض الاستسلام لاستكمال مسيرة النصر والتحرير.

لكن المفاجأة جاءت لتخيب آمال نصر الله والأسد وإيران التي تساندهم، حيث ظل ميدان التحرير خاليا في جمعة طرد السفير الإسرائيلي، ولم يخرج للتظاهر سوى بضع مئات تجمعوا عند السفارة الإسرائيلية وهم يحملون صور جمال عبد الناصر الذي سلم سيناء لإسرائيل في 67. وهكذا تبين أن مصر بعد ثورة 25 يناير لا تريد الانضمام إلى جبهة الممانعة الممتدة من طهران إلى دمشق وبيروت وغزة، بل تهدف لتحقيق الديمقرطية وتطالب بالخبز ورفع مستوى المعيشة.

الذي حدث في سيناء يشير إلى فقدان القوات المصرية للسيطرة الأمنية في هذا الجزء الهام من الأراضي المصرية في أعقاب ثورة 25 يناير، وصارت هذه المنطقة مسرحا لعمليات التهريب وبيع السلاح. ومنذ ذلك الوقت ازداد نشاط الجماعات الإرهابية التي قامت بتفجير أنابيب الغاز المصري خمس مرات. عندئذ أدركت السلطات المصرية خطورة ما يجري في سيناء فأرسلت - بالتفاهم مع إسرائيل - قوات عسكرية مكونة من ألف مقاتل من الجيش وقوات الأمن في عملية أطلق عليها اسم «النسر».

بعد الأحداث الأخيرة أيقنت إسرائيل ضرورة الاستجابة للمطالب المصرية حتى يتم حماية الحدود. وعذرا لخيبة أمل نصر الله، فالأمر لا يستدعي إلغاء معاهدة السلام أو دخول حرب جديدة كي يتمكن بشار الأسد وحلفاؤه في إيران من قمع ثورة شعب سوريا تحت شعار: لا صوت يعلو على صوت المعركة.