دين ورئاسة في أميركا

TT

بينما العالم العربي مشغول بتبعات الثورة العربية ومحاولة معرفة نتائجها واتجاهاتها، يبرز الحديث عن موقع الدين في المستقبل السياسي للشعوب والدول كأحد أهم المحاور التي تشغل الناس والرأي العام. واللافت أن هذا الهاجس ليس هما عربيا حصريا فحسب، ولكن ها هي الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة لعام 2012 توضح للمتابعين لها أن هذه المسألة ستكون مادة ساخنة جدا في ظل التباين الواضح لـ«الطوائف» المترشحة، وهي أثرى مجموعة كما يبدو في تاريخ الترشح الرئاسي الأميركي.

فبالإضافة للموضوع الجدلي الذي يغيب ومن ثم يعاد للسطح، و«المتعلق» بالإسلام الخفي للرئيس الحالي باراك أوباما كما يصفه منتقدوه من الأحزاب اليمينية المتطرفة، هناك المرشحة اليمينية عن حزب الشاي ميشيل باخمان وهي المعروفة بتوجهاتها الإنجيلية المتعصبة جدا، وكذلك الأمر بالنسبة للمرشح الجمهوري اليميني المتشدد من ولاية تكساس ريك بيري الإنجيلي والمؤمن بالمسيح المخلص الذي أعاد ولادته مجددا، وهناك المرشح المهم للحزب الجمهوري حاكم ولاية ماساتشوستس الأسبق ميت رومني وهو من ديانة (المورمون)، التي يعتبرها المسيحيون ديانة مارقة لاعترافها بوجود نبي جاء إلى أميركا وبشر بها، ولهم تعاليم مختلفة عن الطوائف المسيحية الأخرى، ولكن منها الكثيرون من نجوم المجتمع الأميركي اللامعون، منهم على سبيل المثال الكاتب الذائع الصيت ستيفن كوفي مؤلف «العادات السبع»، وبيل ماريوت مؤسس سلسلة الفنادق المعروفة التي تحمل اسمه، والإعلامي المثير للجدل غلين بك، وليس ميت رومني هو الوحيد من مرشحي الرئاسة المحتملين المنتمين لديانة (المورمون) ولكن هناك أيضا حاكم ولاية يوتاه الأسبق جون هانتسمان، وهناك المستشار السياسي وداعم حقوق الشذوذ الجنسي فريد كارجر وهو يهودي الديانة، وهناك المتحدث الأسبق لمجلس الكونغرس نوت غنغريتش وهو صهيوني متطرف ولكن ينتمي لكنائس متعددة بين الكاثوليكية والبروتستانتية، وهناك رجل الأعمال الأفريقي الأميركي الناجح هيرمان كين وهو ينتمي تقليديا لكنائس الجنوب (البابتيست)، ويوجد رون بول رجل الكونغرس الأسبق عن ولاية تكساس وهو بروتستانتي غير متعصب، ومن ولاية بنسلفانيا السيناتور الأسبق ريك سانتروم وهو كاثوليكي متشدد، ورجل الأعمال من ولاية ميسوري بوسط أميركا فيرن وينشه وهو ينتمي للكنيسة التقليدية البروتستانتية (اللوثرية) وهو يصف نفسه بأنه متدين ومحافظ. وطبعا هناك المرشحة غير المعلنة حتى الآن سارة بالين حاكمة ولاية ألاسكا السابقة والمعروفة جماهيريا فهي تتقلب بين الكنائس المختلفة لتؤكد أنها «متدينة» دون الالتزام بخط كنسي محدد.

في استطلاع للرأي حصل مؤخرا في الولايات المتحدة تبين أن 68 في المائة من الناخبين لا يهمهم إذا كان المرشح من ديانة (المورمون)، وإن كان 25 في المائة منهم يوضح صراحة أنه لا يستطيع دعم مرشح ينتمي لها، وبالمقارنة فإن 61 في المائة منهم يوضحون أنهم لن يكونوا قادرين على دعم مرشح لا يؤمن بالرب.

كل ذلك يوضح أن هناك أرضية صلبة جديدة في الولايات المتحدة اليوم لاستقطاب الشأن الروحي والاجتماعي كأهم محور في الانتخابات القادمة، وكذلك كـ«رد» على الفشل والهم والإخفاق الاقتصادي المهول المتسبب في بطالة خطيرة وحالة من الغضب واليأس الشعبي وازدياد العوز والفقر وحالات فقدان العمل والمنزل والمعول المالي.

ويعلم المرشحون أنه ليس لأي أحد منهم العصا السحرية لتحويل الحال الاقتصادي نظرا لحجم الدين العام المهول الذي سببته سياسات غير سليمة في الموازنات السابقة وآلة الحرب الموتورة للرئيس السابق جورج بوش الابن، وبالتالي من «الأسهل» الحديث عن المواضيع الاجتماعية وتهييج الرأي العام باتجاهها، ولذلك كان لافتا بالونة الاختبار التي أطلقتها ميشيل باخمان حينما قالت إن إعصار «آيرين» الذي خرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة مؤخرا كان عقوبة إلهية من الرب احتجاجا على سياساتها، وفتحت باباً حامياً للنقاش كـ«بروفة» ومقدمة لمواجهات ساخنة جدا تطرح على الساحة الهوية الدينية للسياسة الأميركية القادمة ودور المرشحين فيها.

[email protected]