عندما يكون التدخل في مصلحتنا

TT

في عام 1933، قام الرئيس الأميركي الأسبق، فرانكلين روزفلت، باختيار أستاذ تاريخ غير معروف وهو ويليام إي دود ليكون سفيرا للولايات المتحدة لدى ألمانيا. وكان دود رجل مبادئ، ولكنه كان رجلا مبتذلا، حيث لم يسهم في التاريخ الشعبي من خلال كتاباته الأكاديمية، ولكن تمثلت إسهاماته في السلوك المخزي لابنته الجذابة التي نامت مع العدو في برلين، ليس من أجل الله أو من أجل البلاد ولكن لمجرد المتعة.

واستغرق الأمر وقتا قصيرا بالنسبة للعجوز دود ووقتا أطول لابنته مارتا، التي كانت تبلغ من العمر 25 عاما، لكي يعرفا أنهما لم يكونا يتعاملان مع دولة معادية للسامية وإنما مع قتلة يريدون إبادة شعب بأكمله. وقالت مارتا لأحد أصدقائها: «إننا لا نحب اليهود على أي حال». وكانت مارتا محظوظة للغاية لأنها قالت هذه الكلمات وهي في ألمانيا وليس في بلد آخر.

تم سرد أحداث قصة دود وابنته عن طريق إريك لارسون في كتابه «في حديقة الحيوانات». وتورط دود وابنته في واحد من أكثر الاضطرابات سخونة في التاريخ، حيث كان هتلر يعضد أركان ملكه بسرعة، وكانت الأحداث تتحرك بسرعة ولكن بصورة تدريجية.

وقد تميزت الفترة التي قضاها دود في برلين بالتوسلات المتكررة لرؤسائه في وزارة الخارجية بالسماح له بتنظيم احتجاج، ولكن دائما ما كان يتم رفض ذلك. لقد كانت وزارة الخارجية آنذاك معقلا للمعادين للسامية الذين ظنوا، في حدود المعقول طبعا، أن هتلر كان محقا في ما يفعله مع اليهود، كما اعترفت الوزارة أن واشنطن لم يكن لديها نفوذ كاف، وعلى أي حال، فإن ما كان يقوم به هتلر ضد اليهود وغيرهم كان عملا لعينا يخصه هو ولم يكن للولايات المتحدة أي «مصلحة وطنية حيوية» تتعرض للخطر.

وأؤكد مرة أخرى على عبارة «مصلحة وطنية حيوية»، لأنها لها دلالة كبيرة في الوقت الراهن. وقد سمعت هذه الكلمات الأسبوع الماضي من جون هانتسمان الذي أوضح للصحافيين المجتمعين في المقر الرئيسي لشركة «بلومبيرغ فيو» في نيويورك الأسباب التي دفعته للاعتراض على تدخل الولايات المتحدة في الصراع الدائر في ليبيا. وكما يقول المثل الشهير: «الأعور في بلد العميان ملك» (الحزب الجمهوري)، لم يكن هانتسمان هو الوحيد الذي يمثل هذا الفكر، حيث يشاركه في هذا الرأي الانعزاليون الجدد وكذلك الأمميون والمؤمنون بالدولية مثل ريتشارد هاس، وهو رئيس مجلس العلاقات الخارجية. وفي إحدى المقالات المنشورة في مجلة «التايم» خلال هذا الشهر، استشهد هاس بدعوة الرئيس أوباما إلى «التركيز على بناء الأمة هنا في الداخل». وكتب قائلا: «لا مزيد من حروب الاختيار، ولا ينبغي علينا أن نشترك إلا في الحروب التي تفرضها الضرورة».

ولا يتعين بالضرورة العودة إلى زمن النازية لتوضيح ذلك، حيث إن هناك عددا قليلا من الأنظمة يشبه النازية على مدار التاريخ. ومع ذلك، لم تبدأ النازية بمعسكر أوشفيتز، ولكن بدأت بتقليص مساحة الحرية وتطبيق العنف، على الرغم من أن بعضها كان عفويا على ما يبدو. وعندما ازداد الأمر سوءا، لجأت وزارة الخارجية للأسلحة. في الواقع، لم تكن السياسات الداخلية الألمانية تشكل تهديدا للولايات المتحدة، حيث استمرت الحياة في شيكاغو، مسقط رأس دود، حتى بالنسبة لليهود.

ومن المثير للاشمئزاز أن تقرأ رواية لارسون عن مكائد وزارة الخارجية لتقويض دود الساخط والناقم على ما كان يحدث ومنعه من الحديث. وفي الوقت نفسه، من المفيد أن نشير إلى أن النازيين قد أبدوا اهتماما بصورتهم في الولايات المتحدة. إنهم لم يتخلوا قط عن ميلهم إلى العنف، ولكنهم هدأوا من ذلك في بعض الأحيان وكانوا يكذبون دائما في ما يتعلق بهذا الموضوع.

ولا يمكن مقارنة ليبيا تحت حكم معمر القذافي بألمانيا تحت حكم أدولف هتلر، ولكن في كلتا الحالتين كانت حياة الناس مهددة، وكان هناك قتل جماعي، وكان الرجل الذي يقوم بذلك قادرا على القيام بأفعال إرهابية لا يمكن وصفها. هل كانت هناك علاقة بين أي من هاتين الحالتين ومصالحنا القومية الحيوية؟ في الواقع الإجابة هي لا، ولكن كان لدينا المال الكافي لتجنب القتل، ولذا كان علينا التزام أخلاقي للقيام بذلك.

في الواقع، يتشبث صانعو السياسة الأميركية بمسألة دور أميركا في العالم بالنظر إلى الماضي وكذلك المستقبل. لقد كنا ذات يوم أمة غير مكترثة ولم نكن أمة أنانية بأي حال من الأحوال، في ما يتعلق بصرخات الضحايا في أماكن أخرى. لقد عرفنا مصالحنا الوطنية في إطار ضيق ونظرنا إلى الأخلاق على أنها لا تعدو الشغل الشاغل للهواة أو المدافعين عن المصالح الخاصة. ويعد كتاب لارسون مفيدا للغاية في هذا الشأن. قد تكون مارتا دود قد نامت مع العدو، ولكن من الناحية الأخلاقية، لم تكن أسوأ من الدولة التي تمثلها، لأنها لم تفعل شيئا آخر غير النوم.

* خدمة «واشنطن بوست»