حان وقت تعديل «كامب ديفيد»

TT

لم يكن بنيامين نتنياهو في حاجة إلى مظاهرات القاهرة المطالبة بطرد السفير الإسرائيلي من مصر ليدرك أنه لم يعد باستطاعة إسرائيل تجاهل عصر «الربيع العربي»، إن لم يكن عدم التأقلم معه، إذا كانت فعلا حريصة على المحافظة على معاهدة السلام العربية الأكثر ضمانا لأمنها.

نتنياهو يتردد في الموافقة على تعزيز الوجود العسكري المصري في سيناء حتى ولو كان من شأن هذا الإجراء حماية إسرائيل نفسها مما تدعيه من تسلل عناصر تصفها بـ«الإرهابية» من سيناء المصرية إلى أراضيها. إلا أن تردد نتنياهو لا يعود إلى تخوفه من أن تتسبب زيادة عديد القوة العسكرية المصرية في سيناء في تعديل ميزان القوى القائم حاليا بين إسرائيل ومصر، بقدر ما يعود إلى خشيته من أن تتحول هذه الموافقة إلى سابقة تبرر مطالبة مصر بتعديل أوسع لمعاهدة «كامب ديفيد»، خصوصا بعد أن ارتفعت، في الآونة الأخيرة، أصوات جماهيرية مصرية تطالب بهذا التعديل.

في هذا السياق قد ينفع التذكير بأن موضوع تجريد شبه جزيرة سيناء من السلاح الثقيل كان، في عام 1978، من العقد الأساسية التي أخرت إقرار معاهدة «كامب ديفيد» إلى أن أدرج - كما نصت المعاهدة - في إطار إقامة «ترتيبات أمن متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية».

ولكن، رغم نص المعاهدة على الطابع «التبادلي» للمناطق محدودة السلاح على جانبي الحدود المصرية – الإسرائيلية تجاهلت إسرائيل، كعادتها، هذا النص إبان حربها الشعواء على قطاع غزة، وحشدت قوات برية وآلية قبالة معبر «فيلادلفيا» تفوق بكثير ما تسمح به معاهدة «كامب ديفيد» (فيما اختار نظام حسني مبارك غض الطرف عن هذا الخرق الفاضح للمعاهدة عوض تسجيل موقف «مبدئي» في التنديد به).

إن كان ثمة مغزى سياسي لموقف نتنياهو فهو أن إسرائيل لا تثق بمصر ما بعد الثورة، وبالتالي تعتبر تعزيز الوجود العسكري المصري في سيناء أشد خطرا على أمنها من تسلل الجماعات «الإرهابية»، هذا في وقت يتهم فيه الإعلام الإسرائيلي المصريين بأنهم يضمرون عداء دفينا لإسرائيل.

والواقع أنه منذ توقيع معاهدة «كامب ديفيد» والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تنظر إلى المعاهدة كـ«غطاء» مصري غير مباشر لسياساتها العدوانية تجاه الفلسطينيين واللبنانيين وكل ما ومن تصنفه في خانة تهديد «أمنها»، متجاهلة علاقة الرحم والمعتقد بين مصر والعرب أجمعين، ومتجاهلة أيضا خروقاتها هي لنصوص المعاهدة.

قد تكون مشكلة إسرائيل اليوم في أن القرار العربي لم يعد حكرا على حفنة من الأوتوقراطيين. ومظاهرات القاهرة المطالبة بطرد السفير الإسرائيلي واضحة الرسالة: إذا كان «الغطاء» المصري لممارسات إسرائيل ممكنا في ظل النظام الأوتوقراطي فقد بات صعبا، إن لم يكن غير وارد على الإطلاق، في عصر «الربيع العربي».

باختصار، قواعد المعادلة السابقة في العلاقات المصرية – الإسرائيلية تغيرت مع دخول الشارع المصري على خطها - وقد تكون مرشحة لتغيير مماثل على الصعيد العربي الأوسع في حال عودة مصر إلى ممارسة دورها المحوري في العالم العربي، مما يستوجب إعادة النظر في العديد من نصوص معاهدة «كامب ديفيد»، إما بالتوافق وإما بالتحكيم (حسب نص المعاهدة) قبل أن تدفع ممارسات إسرائيل المصريين إلى المطالبة بإلغائها من أساسها.

ولأن «الربيع العربي» يعني أن الحكومات العربية الديمقراطية لن تكون بعد اليوم قادرة على تجاهل الرأي العام الداخلي في بلادها، بات على إسرائيل أن تحسب بدقة حساب مشاعر الشارع العربي في تحديد سياسة حكوماته من ممارساتها العدائية.. والعدوانية في آن واحد.