هكذا ضاعت الصيدة

TT

في مجلة مصرية قديمة صادرة في مارس (آذار) عام 1960، قرأت الإعلان المصور التالي:

«في أعلى الصورة السيد عبد اللطيف المخايطه السعودي يشرح لابنه النواحي الفنية لعملية الحفر.

والسيد عبد اللطيف يعمل مدربا في قسم الحفر بشركة (أرامكو)، وله خبرة في أعمال الحفر اكتسبها خلال عشرين عاما من العمل.

أما ابنه عبد الله فيعمل في إحدى فرق حفر آبار الزيت، وهو يأمل أن يتابع الدروس التي يشرف عليها والده ليصبح حفارا كأبيه، وهو واحد من كثيرين من موظفي (أرامكو) اقتدوا بآبائهم وعملوا في صناعة الزيت وأتقنوها». انتهى الإعلان.

تخيلوا لو أن مناهج التعليم، وثقافة العمل، ومثابرة التدريب، كانت على تلك الرؤية وذلك المستوى المتقدم من قبل 70 عاما، فماذا سوف يكون واقعنا اليوم مما هو عليه؟!

ليست صناعة الزيت إلا مثالا.

وللأسف إنها بدلا من أن تكون لنا وسيلة وحافزا، اتخذنا منها وسيلة للركون والتمدد.

والإنسان لا يتقدم ولا يأمن ولا يعيش بالزيت وحده، وإنما يتقدم ويأمن ويعيش بتغيير ذاته من الداخل، بما يواكب معطيات العصر وحركته الدائمة التي لا تتوقف، (في كل المجالات).

وإذا كانت عشرات الأعوام قد ضاعت من بين أيادينا، فيجب أن نتدارك الفرصة لنختزل الزمن لكي لا تضيع عشرات الأعوام المستقبلية التي ما زلنا نملكها، فهل نحن أكفاء لذلك؟! هل نحن، رجالا ونساء، نستطيع أن نتحمل المسؤولية ونعترف أولا أننا كنا، وما زلنا، مقصرين؟!

وأخشى ما أخشاه أن الكثير من غربان الظلام الذين ما زالوا ينعقون على خرائب أطلال الماضي، سوف يثبطوننا ويخيفوننا، لا سمح الله، وهم مثلما تعرفون: لا يرحمون ولا يتركون رحمة الله تنزل على العالمين.

* * *

ذهبت مع أحدهم ليأخذ رأيي في شقة يريد أن يشتريها، وانطلقت معه برفقة السمسار الذي تنقل بنا إلى عدة عمائر، وفرّجنا، دون مبالغة، على عشرات الشقق، وفي كل مرة كان رفيقي هذا «يستغلي» الثمن، فيما كنت أنا أحاول إقناعه بالشراء، ولكنه مع الأسف كان (جلدة ناشفة)، وعندما ضاق السمسار ذرعا به، ما كان منه إلا أن يقول له جادا: اسمع، لدي شقة تلائمك وهي في حدود الثمن الذي تريده، ولكنها تقع في دولة (نيكاراغوا)، فاذهب وابحث عنها.

رمى في وجهه هذه الكلمات، ثم تركنا غاضبا حتى دون أن يقول لنا: السلام عليكم.

وبعدها لا تتصورون مقدار الإحباط الذي أصابني، لأنني كنت بالفعل أمنّي نفسي بالحصول على جزء من (السعي) الذي سوف يأخذه السمسار - حسب الاتفاق بيني وبينه - هذا إذا استطعت أن أقنع الرجل بالشراء، غير أنه - سامحه الله - لم يقتنع، وهكذا ضاعت الصيدة.

[email protected]