خوف الملالي من تسونامي التغيير

TT

بعد ثمانية أشهر من بدء «الربيع العربي»، لا يزال الملالي الذين يحكمون طهران يتساءلون عن كيفية الاستجابة لموجة تسونامي هبت لتغير المشهد السياسي للمنطقة.

في البداية، رأى الملالي، الذين يعتقدون أن التاريخ يتكون من سلسلة من المؤامرات، أن الثورات العربية مؤامرة حاكتها وكالات الاستخبارات الغربية.

ورددت وسائل الإعلام الرسمية وجهة النظر التي عبر عنها نعوم تشومسكي، واضع نظرية المؤامرة الأميركية. ووفقا لتلك الرؤية، فإن «القوى الإمبريالية» تريد تغيير «الأذناب العربية» التي قد شاخت وأصبحت منفصلة عن الواقع. وفي قضية ليبيا، كما ادعى تشومسكي، أرادت الولايات المتحدة الإطاحة بالقذافي لأنه قد أصبح «صعب المراس». وذكَّرت وسائل الإعلام التابعة للملالي جمهورها بأنه في عام 2009، حاولت الولايات المتحدة «الشيطان الكبير» الإطاحة بنظام الخميني من خلال خطة رئيسة كتبها الفلاسفة الأميركيون والأوروبيون، من بينهم ميشال ليدين ويورغن هابرماس، وقام بدعمها ماليا رجل الأعمال جورج سوروس.

وعندما بدا من الواضح أن الثلاثي هابرماس وليدين وسوروس لم يتمكنوا من إحداث رد فعل جماهيري قوي في عشرات الدول العربية، حاولت وسائل الإعلام الخاصة بالنظام الخميني البحث عن تفسير آخر.

وجاء أكثر تحليل مقبول من علي مطهري، عضو المجلس الإسلامي، البرلمان البديل في طهران، الذي غالبا ما يبدو حكيما بدرجة كافية لأن تدفع المرء إلى التساؤل عما يفعله في مستشفى المجانين هذه.

لقد رأى أن العرب ربما قد ثاروا لأنهم سئموا من «القمع والفقر».

ولأن سلطات النظام رأت أن هذا التحليل خطير للغاية، فقد تم نبذه على الفور. وكان السبب بسيطا للغاية، وهو إذا كان للعرب الحق في التظاهر ضد «القمع والفقر»، فكيف يمكن لأي شخص أن ينكر الحق نفسه على الإيرانيين الذين يعانون من هذين الأمرين المقيتين؟

وازدادت الأمور تعقيدا عندما اجتاحت الثورة سوريا، الدولة الحليفة للجمهورية الإسلامية.

فحتى شهر يونيو (حزيران) الماضي، كان الخط الرسمي يرى أن الثورات في جميع الدول العربية مشروعة فيما عدا سوريا. وبذلك كانت نظرية المؤامرة صالحة لسوريا فقط، بحسب جريدة «كيهان» اليومية، التي رأت أن «سوريا عوقبت لأنها تبنت تعاليم الإمام الخميني».

على الرغم من ذلك، كان من الصعب دعم هذا الادعاء. فحتى أسهل الأشخاص انخداعا في إيران لن يقتنعوا بأن الدولة العربية الوحيدة التي يوجد بها «حكومة مثالية» هي سوريا، لسبب بسيط وهو أن قادتها من بين قائمة حلفاء لطهران.

وفي الشهر الماضي، أطلقت وسائل الإعلام التابعة للملالي تحليلا جديدا يشير إلى أن آية الله الخميني هو الذي ألهم الثورات العربية. ووفقا لهذا التحليل، فإن الأميركيين حرضوا على قيام ثورة في سوريا لمقاومة تيار الانتصارات الخمينية في تونس وليبيا ومصر واليمن وغيرها من البلاد.

ومن الصعب تصديق هذه النظرية أيضا. فمعظم الشباب العرب الذين تقدموا الثورات لم يكونوا قد ولدوا عندما وصل آية الله إلى سدة الحكم قبل 32 عاما، حتى إن بعضهم لم يسمع عن الخميني.

ومع ذلك، فقد ادعت افتتاحية نشرت يوم 24 أغسطس (آب) الحالي في جريدة «كيهان»، التي تعكس وجهة نظر علي خامنئي (المرشد الأعلى)، أن ما تريده الثورات العربية هو حكومة تعتمد على النموذج الخميني.

ومن المؤكد أن «كيهان» تعرف أن قراءها ربما ينظرون إلى هذا الادعاء كمزحة. فلماذا ينبغي للعرب، حتى إذا أرادوا حكومة دينية، محاكاة نظام يشبه نظام الساحرات أنتجه ملا إيراني شبه أميّ بدلا من تطوير نموذجهم الخاص؟

وانطلاقا من توقعها مثل هذا السؤال، فقد استشهدت جريدة «كيهان» بمصدري «سلطات بارزة» يدعمان الادعاء القائل إن الثوار العرب يريدون «ولاية الفقيه» أو الاستبداد باسم الدين.

السلطة الأولى ممثلة في فهمي هويدي، الذي تم تقديمه على أنه «مفكر مصري بارز» وهو زائر دائم للجمهورية الإسلامية. وتحدث هويدي لجريدة «كيهان» قائلا: «إن قيادة الإمام الخميني، وبعده الإمام خامنئي خلال الثلاثين عاما الماضية، وتغلب إيران على المؤامرات والخطط التي تحاك ضدها، عوامل علمت الدول الإسلامية أن القوة والفخر والاستقلال والحرية والتقدم العلمي والوصول إلى قمة التكنولوجيا والحضور القوي في المجالات الدولية.. جميعها أمور ممكنة. واليوم، لن تستبدل الأمة الإسلامية بهذا النموذج أي نموذج آخر».

والسلطة الثانية ممثلة في شخص تمت الإشارة إليه باسم «المفكر الأميركي البارز إيمانويل والرشتاين». وقد ذكرت «كيهان» قوله: «يجب أن نأسف لحقيقة أن جهودنا لتغيير العالم تواجه عقبة لا يمكن التغلب عليها، وهي ولاية الفقيه في إيران، وهو النموذج الذي تفضله أغلب الدول على نموذج الديمقراطية الخاص بنا».

والآن ها هي الحقيقة. الشعوب العربية التي تتظاهر ويسقط فيها قتلى منذ ثمانية أشهر لا تريد الديمقراطية؛ بل جل ما يريدونه هو ولاية الفقيه!

ربما تكون افتتاحية جريدة «كيهان» إشارة إلى حالة معروفة لعلماء النفس. وتحدث هذه الحالة عندما يقنع أحد ضحايا سوء المعاملة نفسه بأن أكثر ما يخشاه هو، في واقع الأمر، أكثر ما يشتهيه. فمثلا، تبدأ امرأة تتعرض لضرب مبرح من رجل في إقناع نفسها بأن هذا الرجل الذي يضربها يكن لها مشاعر الحب الجم.

يدرك الملالي أن النظام الذي قد وضعوه هو شكل مبتذل من أشكال الحكم المطلق المستبد الذي يختبئ وراء مظهر خداع قائم على معتقدات خرافية مضفى عليها صبغة دينية. والآن، تبدو جمهورية إيران الإسلامية، التي تهيمن عليها الآلة العسكرية - الأمنية وتتخذ من «المرشد الأعلى» واجهة لها، دولة بوليسية مثلها مثل تونس في عهد بن علي أو ليبيا في ظل حكم القذافي، ناهيك بسوريا في ظل حكم بشار الأسد.

ويدرك هويدي ووالرشتاين أن جمهورية إيران الإسلامية، بالنسبة لعدد سكانها، تضم أكبر عدد من المعتقلين السياسيين في العالم، وأنها ثاني دول العالم بعد الصين من حيث عدد من يتم إعدامهم كل عام. لم تتجمع في أي حاكم عربي كل هذه السمات المزرية التي اجتمعت في شخصية خامنئي.

وتحت نظام الخميني، لا تتمتع حتى الشخصيات رفيعة المستوى في النظام بالأمان؛ فقد تم سحب جوازي سفر رئيسين سابقين، هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، وحرما من حق السفر إلى الخارج.

وتم وضع مير حسين موسوي - الرجل الذي قاد إيران، كرئيس وزراء خلال حرب ضد العراق لمدة 8 سنوات - رهن الإقامة الجبرية. وفي كل مرة أزور فيها باريس أو لندن أو واشنطن، أفاجأ بوافدين جدد قادمين من طهران؛ مسؤولين سابقين بنظام الخميني هاربين من ولاية الفقيه.

إن مدينة هويدي المضيئة على التل شيء من وحي خياله. ووفقا لصندوق النقد الدولي، تعتبر إيران اليوم أفقر مما كانت قبل استيلاء الملالي على السلطة. ولهذا السبب، أصبحت إيران، التي لم تكن مطلقا دولة خيال جمعي، مصدر «أكبر نزف عقول في التاريخ»، وفقا لصندوق النقد الدولي.

القيادة في نظام الخميني في حالة من الذعر، وهي تخشى من احتمال أن تجد تسونامي تغيير يجرفها.