أصدقاء الجزائر

TT

في زمن ما، أصبح بعيدا الآن، كان عبد العزيز بوتفليقة يسدل على كتفيه شعرا طويلا، على غرار تشي غيفارا. وكان يتقدم قضايا التحرر. وكانت الجزائر تعتقل أعداء الحرية، مثل مويس تشومبي الكونغولي، في الجو وترغم طائرته على الهبوط وتسجنه عندها حتى الموت. ولم يكن ذلك عملا قانونيا، ولا مقبولا في السلوك الدولي، في أي حال.

فقد بوتفليقة شعره، مسدلا أو بقايا، إلا الغطاء. ووقف أخيرا ضد كل حركة تحررية من ليبيا إلى اليمن. وسماها جميعا «أعمال شغب» برغم استقالة حسني مبارك و50 ألف قتيل في ليبيا.. لماذا؟ لأنه يرى شبح المتطرفين في كل مكان، ويريد أن يرده عن الجزائر. لقد دفعت الجزائر ضريبة الحروب الأهلية، ودية مشاريع «الإنقاذ». وعندما بدأت الاحتجاجات في كل مكان الشتاء الماضي، بدأت عنده أيضا. لكنه نجح في احتوائها وضبطها. غير أن بوتفليقة ذهب أبعد قليلا من هاجسه عندما دعم معمر القذافي بكل ما يستطيع ضد المجلس الانتقالي وأكثرية الشعب الليبي. ولعل السبب علاقة صداقة تجمع الرجلين، لاحظتها مرة في لقاء مع الرئيس الجزائري، فقد غضب عندما طرحت سؤالا عن جاره الذي لا يكف عن الإقلاق.

هذه الصداقة تتضح معالمها أكثر الآن. بوتفليقة يفي بعهوده الشخصية، معرضا العلاقة مع ليبيا المقبلة للتدهور. ولو أضفنا البرودة مع تونس، والفتور مع المغرب، تصبح الجزائر في شبه عزلة مغاربية. وهذه مسألة تركز عليها المعارضة الجزائرية في تعداد الشكاوى من الحكم. وقد تستغل - إلى فترة - صداقة الرئيس مع العقيد الذي لم يبادر أحد إلى الإقرار بصداقته، باستثناء حلفاء أميركا اللاتينية، وروبرت موغابي في زيمبابوي، الذي طرد السفير الليبي لأنه رفع علم المجلس الانتقالي، أو علم الاستقلال.

لقد فقد موغابي في القذافي نموذج البقاء الأزلي في السلطة، وخيب الرؤساء الذين تنحوا آمال الرؤساء مدى الحياة، أبطال الصمود في أفريقيا. ونحن في انتظار مذكرات الدكتور علي التريكي، إذا قرر نشرها ذات يوم، فهو أكثر من يعرف لماذا يطرد موغابي السفير الذي رفع علم ليبيا الأول. وهو الذي يملك ملفات ملك الملوك في القارة السمراء، التي أعطاها الاستعمار الحرية، وفرض عليها الوطنيون أسوأ أنواع العبوديات، وحمل الأخ العقيد تاجها وصولجانها، في احتفال لم يشهد العالم ألوانا مثل ألوانه، إلا في خيمة سرت المزركشة، التي تتولى حراستها 400 امرأة، نوبة بعد نوبة.

سوف يفتقد العالم مشاهد لم يرها من قبل: حارسات حوامل يتقدمن الموكب بالرشاشات الأكثر ثقلا. مشهد مقزز كان الناس يتظاهرون بأنهم يضحكون له. فقط تحت باب شر البلية.