ما الذي يمكن أن يفعل مع القذافي؟

TT

لوس أنجليس - يقول قادة الثوار الليبيين، إنهم يريدون مثول العقيد معمر القذافي أمام محكمة ليبية إذا تم الإمساك به. ويستحق الليبيون في الأساس الحصول على ما يرضيهم، وهو ما سيحدث من خلال تحقيق العدالة داخل البلاد. وسوف تدعم المحاكمات الليبية مبدأ سيادة القانون وتسمح لليبيين بالتحكم في مرحلة الانتقال السياسي. لكن هناك مشكلة واحدة، وهي أن المحكمة الجنائية الدولية التي تقع على بعد 1400 ميل في لاهاي أصدرت مذكرات توقيف بحق العقيد القذافي وابنه سيف الإسلام ورئيس جهاز الاستخبارات عبد الله السنوسي. ويعترف مجلس الأمن التابع للولايات المتحدة بأن الجرائم المنسوبة للقذافي لم تكن ضد الليبيين وحسب، بل ضد الإنسانية. وكذلك طلب من المحكمة الجنائية الدولية في فبراير (شباط) فتح تحقيق عن الأوضاع في ليبيا. وتريد المحكمة الجنائية الدولية حاليا محاكمة الثلاثة على كل ما فعلوه من فظائع وأعمال وحشية منذ اندلاع الثورة في ليبيا نهاية الشتاء الماضي. يقول البعض، إن النظام الليبي الجديد سوف يحول القذافي ومعارفه إلى لاهاي، بينما يقول البعض الآخر، إن على المحكمة الجنائية الدولية الرجوع إلى السلطات الليبية لمعرفة ما إذا كانوا يرغبون أو يستطيعون محاكمة القذافي محاكمة عادلة داخل ليبيا. هناك خيار أفضل ربما يرضي كلا من مؤيدي المحكمة الجنائية الدولية والقادة الجدد في ليبيا، وهو السماح للمحكمة الجنائية بمحاكمة الموجه إليهم تهم، لكن داخل ليبيا.

يقع على القدر نفسه من أهمية المحاكمات المحلية، افتقار ليبيا للبنية التحتية اللازمة للاضطلاع بمثل هذه الإجراءات على الأقل على المدى القصير خلال حقبة ما بعد القذافي. وكما حدث في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، ستتعرض الرغبة في الالتزام بالعملية السليمة الأساسية لاختبار. على الجانب الآخر، تتمتع المحكمة الجنائية بالخبرة ولديها خبراؤها والبنية القانونية التي تمكنها من إجراء محاكمات في جرائم كبيرة. وبذلت مجهودا كبيرا في توثيق الجرائم التي ارتكبت منذ منتصف فبراير الماضي. يمكن أن تبدأ محاكمة عادلة قريبا، لكن السؤال هو أين؟

ستكون هناك قيود إذا عقدت المحاكمة في لاهاي، حيث عادة ما تتم إجراءات المحكمة الجنائية بعيدا عن مسرح الجريمة وبلغة أجنبية، وكثيرا ما تخضع لقوانين وإجراءات ربما تستغلق على المجتمعات التي ينتمي إليها الضحايا. كذلك تعاني المحكمة من صعوبة في تعريف المجتمعات في أفريقيا بعملها رغم أن تلك المشكلة لم تحدث في المحكمة الخاصة بسيراليون في فريتاون ومحكمة الخمير الحمر في فنوم بنه، حيث كانت مختلطة وتضمنت عناصر من القانون الدولي والمحلي وكذلك تضمنت أفرادا من الجهتين.

لعقد محكمة جنائية في طرابلس مزايا عملية ورمزية، أهمها أنها ستصبح أقرب إلى المجتمعات التي في أمس الحاجة لرؤية تحقيق العدالة. ويمكن أن تتضمن المحاكمة عددا أكبر من الليبيين في خطوة تتيح للمحكمة الجنائية التواصل مع الضحايا على نحو أفضل وتتيح للمحامين الليبيين من الشباب والمحترفين التعرف على نظام قضائي حديث. وسوف يتيح ذلك لفريق المحكمة الجنائية التواصل مباشرة مع المجتمع الذي يمارسون فيه عملهم ويتيح للمجتمع الدولي مساعدة الليبيين في إعادة إرساء مبدأ سيادة القانون. يمكن لعقد المحاكمة في طرابلس بمشاركة ليبية واسعة أن تمثل توجها جديدا لليبيا نحو إرساء دعائم دولة القانون والمؤسسات الحديثة. يمكنها كذلك دعم محاكمة الجناة الذين ينتمون إلى مستوى أقل وإجراءات الحقيقة والمصالحة داخل البلاد والتحقيق في أي جرائم ارتكبها الثوار فيما يعد دلالة على أن الحكومة الجديدة تؤمن بالعدل داخل مجتمع يتمتع بالوحدة. يمكن لهذه المحاكمة أن تمنح القادة الليبيين الجدد متسعا لبناء نظامها الجديد، دون أن يمنعهم ذلك من محاكمة العقيد القذافي على ما اقترفه من جرائم على مدى الأربعة عقود الماضية.

سيتطلب إجراء المحاكمة في طرابلس موارد كثيرة لبناء محاكم أو تجديدها. لكن يمكن أن تساعد قوات حلف شمال الأطلسي أو قوات أخرى بموافقة مجلس الأمن في القيام بترتيبات أمنية تتعلق بالمتهمين الذين سيبقون رهن الاعتقال. وتحتاج المحكمة الجنائية ذاتها إلى تأمين شديد خشية أن تصبح هدفا لفلول النظام السابق. ينبغي أن يقدم مجلس الأمن، الذي كان سعيدا بفتح تحقيقات عن الوضع في ليبيا، مساعدات من خلال التصريح بتقديم هذا النوع من الدعم والأموال والخبرة اللازمة لعقد المحاكمة.

في الوقت ذاته، لا توجد ضرورة للقيام بكل الإجراءات في ليبيا، حيث يمكن أن تبدأ إجراءات ما قبل المحاكمة في لاهاي، بينما يتم الاستعداد للمحاكمة في طرابلس في وقت لاحق. يجب ألا يبدو أي من هذا أمرا غير عادي، فقد استمدت محاكمات نورينبيرغ بعد الحرب العالمية الثانية قوتها من حقيقة أنها تمت في البلد الذي كان مسؤولا عن أفظع جريمة ارتكبت في القرن العشرين. ولا يحظر ميثاق المحكمة الجنائية المتمثل في اتفاقية روما عقد محاكمات خارج لاهاي. بعد عقود من الظلم وستة أشهر من الحرب، يستحق الليبيون فرصة لمحاكمة طغاتهم وجلاديهم أمام العدالة. ينبغي على المجتمع الدولي دعم هذه المحاولة من خلال ضمان تطبيق القانون الدولي. كذلك ينبغي أن يكون عقد محكمة جنائية في طرابلس بالنسبة لليبيين الجسر المؤدي إلى امتلاك مستقبلهم.

* المدير التنفيذي لبرنامج قانون حقوق الإنسان الدولي بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس

* خدمة «نيويورك تايمز»