صفحات مشينة من ديمقراطية الغرب

TT

في الوقت الذي راح فيه الغرب يسعى لإقناع العرب والعالم الثالث بجدوى الديمقراطية واحتذاء أساليب الحكم الغربية، توالت أحداث في اتجاه معاكس تعزز بيننا مزاعم التقليديين والنقاد والمشككين في قيم الغرب.. كان هناك الإفلاس الذي أخذ يهدد منظومة اليورو بالتفتت والانهيار وعجز الحكومات الأوروبية عن تخطي معارضة النقابات والأحزاب العمالية واتخاذ الإجراءات الفورية اللازمة.

وجاءت ضربة أخرى في أم الديمقراطيات، بريطانيا، عندما اتضح الدور الذي كان يلعبه روبرت مردوخ في التأثير على السياسة البريطانية، وربما الأميركية أيضا.. فهذا الرجل الغريب جاء من أستراليا ومعه مبلغ متواضع واشترى بعض الصحف الشعبية مثل «نيوز أوف ذي وورلد». حدث ذلك بعد أن نفضت بريطانيا يدها من إمبراطوريتها ومستعمراتها، وتقلص عالم الأفكار والآيديولوجيات والحملات السياسية والإصلاحات الاجتماعية.. ثم انهارت الكتلة الشيوعية في شرق أوروبا وانتهت الحرب الباردة.. أصبحت العقول فارغة. اكتشف مردوخ هذا الجانب الرخيص من اهتمامات النفس الإنسانية، وهو الجنس والفضائح والجريمة.. بادر إلى ملء الفراغ الذهني بها.. سرعان ما جمع ثروة طائلة من صحفه الشعبية التي انغمرت بها. استعمل فائض ثروته في التغلغل في دنيا التلفزيون التجاري الذي أجازته الحكومة، ولكنه لم يكتف بذلك، فتطلعت عينه للصحافة المحترمة والمؤثرة في النخبة الحاكمة.. اغتنم المصاعب المالية لصحيفة الـ«تايمز» وتمكن من شرائها من أصحابها بعد مقاومة قوية. وهكذا تربع على جل عروش وسائل الإعلام البريطانية في شتى القطاعات.

القاعدة في الغرب أن مالك الصحيفة لا يتدخل في سياستها وتحريرها، ولكن مردوخ لم يحترم الفكرة.. راح يمد يديه حتى في شؤون الـ«تايمز»، بما اضطر محرروها للاستقالة منها. وبهذا النفوذ الذي ملكه في كل جوانب الإعلام، استطاع هذا الرجل الغريب أن يلعب على أعصاب ساسة البلاد بما جعلهم يتشاورون معه في كل الأمور، لا سيما أثناء الحملات الانتخابية. ولإغرائهم بخطب وده، راحت مؤسسته تستعمل شتى الأساليب اللاأخلاقية واللاقانونية في التنصت عليهم وعلى ذويهم وأصحابهم والتجسس على فضائحهم وشؤونهم الخاصة.

ما هذه بالصورة المشرفة للحياة الديمقراطية التي يدعون العالم لاقتباسها والتبرك بها.

بيد أن الديمقراطية بقيت تعتز بشفافيتها واستعدادها للكشف عن النواقص والعيوب، وبالتالي، السعي لإصلاحها، كما رأينا بصورة واضحة في قضية مردوخ. دعونا نتذكر ما قاله تشرشل: «الديمقراطية نظام سيئ جدا، ولكن كل الأنظمة الأخرى أسوأ منه».