أقسى درجات العذاب!

TT

أنت لا تعرف ربك إلا إذا كنت في لحظة واحدة باهرة عرفت هذه الحقيقة: أنك قطعت عمرك كله مسحوبا من عقلك وقلبك وغرائزك، وأنك في ساقية تدور وتدوخ، وأنك أسلمت نفسك لجلاد هو الليل والنهار.. هو المال والجاه والأولاد واللذة والخوف والطمع واليأس والشك.. وأنه لا وقت عندك لكي تفكر في شيء تفعله أو سوف تفعله، وأنك لست وحدك كذلك، ولكن كل الملايين من الناس من كل لون وكل زمان وكل مكان وكل دين.. فأنت قرص تليفون في أصابع لا تهدأ إلا بالموت.. وإلا في بعض اللحظات عندما تكون قريبا إلى الله أو إلى الرموز التي توقفك لتعرف من أنت.. ومن هو!

إنني لم أقل شيئا، لكني فقط لم أسكت عن محاولة القول.. إنني لم أختر أنسب الكلمات، لكني أحاول أن أختار أنسب المعاني.. إنني الآن فقط عذرت الذين انفتحت لهم «طاقة القدر» فنسوا أن لهم لسانا يطلبون به شيئا من الله.. وأغلقت «طاقة القدر» في وجوههم ودونهم ولم يتحقق لهم شيء لأنهم لم يطلبوا شيئا.. وكنا ونحن صغار نتواصى بأنه إذا انفتحت لنا «طاقة القدر» طلبنا إلى الله بقلوبنا دون حاجة إلى الشفتين واللسان.

إن قلبي قد امتلأ بالكثير، لكن المشكلة هي: كيف أنقل هذا الكثير في هذا القليل من الكلمات ومن الحروف؟ كيف أعبئ النور واليقين والرهبة والجلال والجمال والصفاء والبهاء في هذه الحروف السوداء الصغيرة الملتوية؟ كيف؟ إنه لأمر صعب..

وإنها لمشكلة العمر كله أن أتخيل نفسي ذلك الإغريقي الذي تفننت الآلهة في تعذيبه.. ذلك المسكين الذي لا أنساه ليلا أو نهارا: تنتالوس.. لقد حكموا عليه بأن يظل عطشان إلى الأبد.. جائعا إلى الأبد.. خائفا إلى الأبد.. وضعوه في بحيرة ماء عذب تحت أشعة الشمس.. فإذا أراد أن يشرب ارتفع الماء حتى شفتيه، فإذا انحنى ليرتشف منه شيئا انحسر الماء تحت قدميه وتكرر هذا.. وإلى الأبد.. وإذا جاع أتت الآلهة بشجرة تفاح وراحت أغصانها تقترب من شفتيه. فإذا حاول أن يقضمها ابتعد التفاح وتكرر هذا.. وإلى الأبد.. وإذا أراد أن ينام حملته الآلهة إلى أحد الكهوف وفجأة يسقط حجر ضخم ويتوقف عند شعر رأسه.. وإلى الأبد! وإذا حاول أن يصرخ ويستغيث انهالت عليه الأحجار والأشجار وأغرقته في الماء.. حتى يسكت!

شيء من ذلك ولكن بلا ألم ولا خوف ولا جوع ولا عطش.. ولكن فقط أحسست أنني في ضوء غامر وفي راحة ساحرة وفي صفاء أمين!