تحية إلى صاحب القدم المكسورة

TT

قبل أن يدخل الشهر الكريم - وأعني به شهر رمضان - كتبت تغزلا عن قدمي العزيزة، فتلقف الأخ غير العزيز (قينان الغامدي) ذلك المقال للحديث عن قدمه التي تحطمت عدة مرات بطرق مشبوهة، وبرر تناوله ذاك قائلا: «أعرف أن الموضوع لا يهم أحدا ولذلك استبعدت أن أكتب عنه. ذلك الموضوع هو كاحل رجلي اليمنى الذي انكسر منتصف الأسبوع الماضي، لكنني، أمس، وجدت مجنونا خالصا مخلصا لجنونه يكتب بحميمية وغزل صريح عن قدمه، فقلت: وهل قدمي أرخص من قدم هذا المجنون؟ على الأقل قدمي قدم عاقل - كما أزعم - أما قدمه فقدم مجنون، وهي أقل قيمة تبعا لقيمة العقل البشري، فلا يعقل أبدا أن تكون أعضاء المجانين أغلى من أعضاء العقلاء، لا عند أنفسهم ولا عند الناس ولا أمام القانون».

وأعترف أن الأستاذ قينان عاقل، ولكنه عاقل كعاقل (قبيلة المرة)، فهو تعلم مني وقاحة وفلسفة الأخلاق الحميدة، وأنا تعلمت منه كل مفردات الكلام الجميل والرذيل كذلك، وكل واحد منا له من اسمه نصيب مثلما يقولون، وهو من النادر أن نجد أحدا في هذا العالم المحتشد بسبعة آلاف مليون من البشر يماثله بالاسم، وأظن أن والده رحمه الله قد شبهه بفارس منقرض يقال له (قينان)، على الرغم من أن الأستاذ (رضا لاري) قد رد اسمه إلى قنان الماء أو الخل أو العسل - وهذا هو الأرجح والله أعلم - ومن حسن حظ البشرية أن هناك (قينان) واحدا لا أكثر، وإلا كانت الكوارث أكبر وأفدح وأفضح.

أما نصيبي أنا من اسمي فهو (أزفت)، ولا أنسى أنني عندما كنت ساهرا في يوم من الأيام في أحد الملاهي في شارع الهرم مع لفيف من (الحونشية)، ولاحظوا أن عيني قد (زاغت) ببعض من كانوا يجلسون بالطاولة الملاصقة لطاولتنا، فما كان منهم إلا أن يحرضوني قائلين: (ولعها ولعها، شعللها شعللها)، فاستخف بي الطرب متذكرا اسمي، ويا ليتني لم أتذكره؛ لأن الطاولة بعد ذلك كادت (تتطربق) على رأسي، وأخرجت من تلك الليلة الليلاء، ولله الحمد، بأقل قدر ممكن من الخسائر المتمثلة بشجة دامية فوق حاجبي الأيسر مع لوية عنيفة في ذراعي اليمنى، و(رهصة) مؤلمة بين قدمي جعلتني أعوي (كابن آوى)، وأُعالج منها لمدة شهر كامل.

الواقع أنني قرأت مقال الأستاذ قينان مع بداية رمضان الفضيل، فآثرت الصمت وعدم الرد عليه؛ لأن عفاريتي في ذلك الوقت كانت بالفعل متربطة، وتفرغت طوال (29) يوما للصوم والعبادة والدعاء على قينان بأن يورده سبحانه وتعالى للتهلكة التي لا تبقي ولا تذر، ولا تترك أي عضو من أعضائه إلا وأصابه التلف.

والآن وبعد أن انطلقت عفاريتي وتحررت من قيودها وأخذت تسرح وتمرح معي في طول البلاد وعرضها، لم تطاوعني نفسي إلا أن أرد له الصاع صاعين، واللطمة عشر لطمات، وكيف لا؟! وهو الذي اتهمني بالجنون فقط دون المزيد، وكان حريا به، على الأقل، أن يذكر فسوقي الأخلاقي الذي يضع نصب عينيه الوصايا العشر التي دعا إليها نبي الله الكليم موسى، عليه السلام، والحمد لله أنني لم أتجاوز ولا وصية واحدة من تلك الوصايا العقلانية الرائعة - والله على ما أقول شهيد.

ولكن وعلى الرغم من أن بيني وبين الأستاذ قينان ما صنع الحداد وما اكتشف (نوبل) من عظمة البارود والمتفجرات، فكلانا يخشى بعضنا البعض، ولا يطيق للآخر بديلا.

ولا يفوتني هنا أن أترك (الهذر) جانبا وأتحدث بجد عن قينان الرجل العصامي الشهم الذي هو بصدد إطلالته في جريدته المولودة (الشرق) التي سوف يكون أول أعدادها في (11 – 11 - 2011)، فانتظروها مع الساحر العملاق صاحب القدم المكسورة (قينان الغامدي) لا عدمته - مع الأسف.

[email protected]