انفجرت القنبلة في يده

TT

بدا لبنان لعقود طويلة مختبرا للأسلحة والجريمة والمرتزقة من أنحاء الأرض. وكان ممنوعا حتى من الشكوى، فإذا حاول الذهاب إلى الجامعة العربية، قيل له عيب، كيف يمكن أن تشكو أشقاءك. وإذا حاول الذهاب إلى الأمم المتحدة، قيل له يا خائن يا عميل يا إمبريالي. وهكذا انزوى بنفسه يعد الصفعات والمهجرين ويسجل عدد الضحايا ويحفّظ أبناءه أصوات الدوي وأنواعها، وخصوصا أرغن ستالين.

لا يمكن الدفاع عن اللبنانيين؛ بياعين وتجارا وكفارا وقتلة وسفلة، من جميع الدركات. لكن عدد الضحايا والبريئين والذين لا ذنب لهم، كان أكبر بكثير من عدد المرتكبين. وعدد أصحاب النوايا الحسنة كان أكبر بكثير من أعداد المرتزقة. ولأن لبنان يعرف أكثر من سواه معنى ما حدث ومعاني الخوف والذل والتهجير واللجوء إلى الآخرين، فهو أكثر من يتألم الآن لليبيين الذين جاءوا يقاتلون على أرضه، وللعراقيين الذين صرفوا الأموال على كل الفرقاء، وللسوريين الذين كانوا يعاملون «الأشقاء» بنعوت لا تليق بالأعداء، وباليمنيين الذين لم يأتوا بأعداد كثيرة، وبالإخوة الأفارقة الذين تكبدوا مشاق السفر «من غاو، من بعيد» على ما كان يقول فيلمون وهبي، العائد مسرحيا «من بين الموصل والرقة».

سوف يخبرنا بعض الدبلوماسيين الليبيين غدا، كم كانوا يدفعون ثمن «الرأس» من الشهداء ومن العملاء. لكل جثة تسعيرة معينة. وفي أي حال السعر أغلى من التشاد، بسبب فارق العملة وفائض الميزان التجاري. لم يوزع أحد أموال القتل الجماعي كما فعل. وصحيح أن العدد في لبنان كان مريعا، لكن الهدف كان نبيلا: تحرير فلسطين وتحقيق الاشتراكية الدولية وإلحاق الهزيمة بالإمبريالية العالمية المتحصنة في شواطئ بيروت وقرى الجبل.

حذار أن يشعر أي عراقي أو ليبي أو سوري أو يمني أو أي شقيق من الصومال، أن انتقال مأساة لبنان فيها عزاء للبنانيين. ربما شعر بعض الجهلة والغافلين بالشماتة. ولكن نحن كنا نقول دمروا لبنان شرط أن تبقوا بلدا عربيا نذهب إليه. وكنا نقول إذا كان لبنان ديَّة الأمة فليكن فكل بلدان العرب أوطاني. لكن المحزن والكارثي أن يكون لبنان قد استخدم مختبرا لما يجري اليوم في البلدان. فلا يفيد لبنان في شيء ما حدث لمتكبر بغداد ومتعجرف سرت. كم من الدول ومن الناس حاولا محوه بالسبابة أو الإبهام، لمجرد أنهما ملكا المال. كم من المال استخدم في تدمير أحلام الأمة. كم عدد العرب الذين أبادهم العرب منذ نكبة 1948. كم من الأرض أضاعوا أو اعتدوا أو تجبروا. كم شردوا وعذبوا من الفلسطينيين. وكم تجاهلوا وفجروا في حق مليون مأساة فلسطينية. على الأقل.