إنها القوة في كل مكان!

TT

ما الذي تراه في الدنيا حولك؟

إنها القسوة في كل عين، وفي كل كلمة، في كل لمسة، في كل وعد.. وفي كل وعيد..

لقد أصبحت الدنيا غابة من الإسمنت المسلح.. وأصبحت أنياب الناس مسدسات، وكلماتهم مفرقعات.. وأفكارهم عصابات.. والحب حربا.. والحرب حبا.. والدنيا كأنها الآخرة!

ما الذي يريده الناس من الناس؟

لا شيء إلا أن يموتوا.. ولماذا لا يريد الناس أن يعيشوا وأن يتركوا غيرهم يعيش؟ لأن هناك ضيقا.. فكل إنسان يضيق بغيره.. ويرى الدنيا لا تتسع لهما معا، ثم يضيق بنفسه.. ولذلك فالناس ينتحرون أو هم يقتلون الآخرين ليموتوا هم أيضا!

ما هذه الحضارة؟

إن الحضارة هي التطوير المستمر لصناعة أدوات الحياة: الشوكة والسكين بدلا من الأصابع، والسيارة، والطيارة بدلا من القدمين، والصاروخ بدلا من العصا التي أضربك بها.. والقنبلة بدلا من الطوبة التي ألقيها عليك.. فالعقل الإنساني بكامل وعيه يفقد وعيه.. فليست الحرب إلا قمة العلوم والفنون التي تقضي على صاحب العلوم والفنون.. فإذا كانت الحياة نعمة، فالموت أيضا.. إذا كانت الصحة معبأة في الزجاجات، فالسم أيضا.. وإذا كان الحب ابتساما فسلاما فلقاء.. فالموت أيضا!

لذلك لم يعد الموت شيئا يخيف أحدا.. إنه يجيء في خطاب مغلق.. ويجيء في زجاجة فارغة ويجيء من النافذة ومن الباب.. وكان الناس يفزعون إذا سمعوا أن أحدا قد مات.. ولكنهم اليوم حريصون على أن يقلبوا صحيفتهم اليومية ويسارعوا بقراءة صفحة الوفيات.. لا شماتة في الموتى، لأنه لا شماتة في الموت.. ولكن حتى لا يفوتهم واجب العزاء! وفي الصفحات الأولى حوادث الطائرات والمصانع والقنابل التي تفجرت والرصاص الذي طاش فأصاب الأبرياء.. والذي فاتهم أن يروه في الصحف، فإنهم يحرصون على ألا يفوتهم في أفلام العنف والجريمة والأشباح والحروب التاريخية!

إذن فلقد اعتاد الإنسان على العنف.. يراه ويلعنه ثم يلعن نفسه إذا لم يره.. فلأن الإنسان قد أدمن العنف والموت، فإنه يبحث عنهما.. وإذا وجدهما لم يزعجاه، فقد اعتدنا على الموت والموتى!

ولم يعد أحد يفكر كيف يموت، فذلك سوف يجيء في حينه.. وسوف يتكفل به إنسان آخر لا نعرفه ولكن على الإنسان أن يفكر كيف يعيش! ومات كثيرون بل أكثر الناس دون أن يعرفوا كيف ولا من الذي كان حولهم ولا ما الذي قالوه ولا ما الذي رأوه وهم على حافة هذه الحياة والحياة الأخرى؟!