يا بشار.. لا تسرف في القتل!

TT

بعد بن علي ومبارك وعبد الله صالح والقذافي، يبدو أن الدور قد حان أخيرا على بشار! ليس ثمة أدنى شك في أننا إذا ما فكرنا في جذور الربيع العربي، لأمكننا اكتشاف الكثير من الفروق بين الحكام المذكورين آنفا وحكوماتهم ودولهم، بل وحتى شعوبهم. وبناء على قولنا هذا، يمكننا أيضا أن نجد مصالح مشتركة تجمع بينهم. فقد حاول جميع القادة المذكورين استغلال المعتقدات الإيمانية والدينية لشعوبهم كوسيلة لتحقيق أهدافهم.

أود التركيز على آخر خطاب لبشار، الذي أدلى به في حفل الإفطار الذي أقامه في القصر الرئاسي في دمشق. يبدو أن بشار ألقى خطابه، لا كسياسي أو صانع سياسة، وإنما كحكيم ومعلم عظيم. فقد ناقش فيه مواضيع مثل الأخلاق والإنسانية والإسلام.

إن شهر رمضان يختلف عن أي مناسبة أخرى، لأنه شهر المحبة والخير والعمل الصالح، داعيا سيادته إلى مراجعة الأحداث التي شهدتها سوريا، والاستفادة منها لما فيه خير سوريا وشعبها، خصوصا أن الشعب السوري حسم كلمته أن لا تفاوض على الوطن والمبادئ والدين.

إن ما جرى، على الرغم من الألم الكبير الذي نتج عنه، فإنه أظهر المعدن الصلب والأصيل للمواطن السوري الذي يفخر به الوطن، كما أظهر الشارع السوري، وتحديدا الشارع المؤمن، بأبهى صوره الوطنية، مؤكدا أن العلاقة بين الإيمان والوطنية طبيعية، وأن جوهرهما واحد وهو الأخلاق.

إن جزءا مهما من الأزمة سببه أخلاقي، سواء من المسؤول أو المواطن، والحل يكون بتكريس الأخلاق، وإن جوهر الدين هو الإنسانية، وجوهر الإنسانية هو الأخلاق، داعيا إلى عدم استغلال كلمة الله، سبحانه وتعالى، التي هي الأكثر قدسية بالنسبة للبشرية، في تحقيق غايات لا علاقة لها بالدين.

وعلى نحو يناقض ما أدلى به في خطابه، فبعد ساعتين من إلقاء بشار الخطاب، وتحديدا في الساعة الخامسة صباحا، تم إلقاء القبض على علي فرزات، الفنان والمفكر السوري العظيم، وضربه على يد قوات أمن مجهولة قامت بتهشيم أصابع يديه. المزيد من المعلومات والصور عن فرزات متاحة على موقع أصدقاء فرزات الإلكتروني. كتب أحد الأصدقاء: «تم التعرض للفنان علي فرزات، حيث تم إيقاف سيارته عند ساحة الأمويين، ونزل أربعة أشخاص وقاموا باختطافه ووضعه في كيس خيش وضربه، وقاموا بتهشيم يديه كي لا يرسم بعد الآن، وهددوه بالقتل في حال رسم مرة أخرى، وألقي به على طريق المطار».

المثال الثاني هو الشهيد إبراهيم قاشوش، كانت الشعارات التي رددتها حشود المتظاهرين في حماه، مرارا وتكرارا، مأخوذة من أغنية ألفها المطرب الشعبي إبراهيم قاشوش، وهو مطرب أنشد أغنيات بألحان موسيقى العرادة الموروثة في صورة أناشيد احتجاجية، مضيفا كلمات جديدة كتبها بنفسه إلى الألحان القديمة الخاصة بمراسم الزفاف والاحتفالات. وقبل أسبوعين، تم قطع حنجرة قاشوش على يد قوات الأمن.

وفي هذه الأيام، يردد الجميع في سوريا أغنياته وشعاراته عن ظهر قلب وأشهرها: «يا الله ارحل يا بشار!».

وقبل أسبوعين من قتل إبراهيم قاشوش، شهدنا التعذيب الوحشي للطفل السوري، حمزة الخطيب، ذي الثلاثة عشر ربيعا. فقد تم احتجازه من قبل قوات الحكومة، ثم قتل بصورة وحشية. وكان قد تم الكشف عن الجروح التي أصيب بها في مقطع فيديو صادم. لقد تم إطلاق النار على الفتى الصغير والتمثيل بجثته قبل إعادتها لأسرته.

يا بشار الحكيم! أنت كقائد أخلاقي عظيم ناقشت دور الأخلاق ومبادئ الإنسانية. تلك كانت كلماتك، والتمثيل بجثة الطفل حمزة الخطيب، وقطع حنجرة إبراهيم قاشوش، وتهشيم أصابع فرزات، أمثلة لبعض الأدلة التي لا تنسى على الوجه الحقيقي لحكومتك.

لم يجب أن يعذبوا ويقتلوا؟

بأي ذنب قتلت؟

ماذا كانت الجريمة التي لا تغتفر التي ارتكبها حمزة الخطيب؟ ماذا كانت جريمة فرزات؟ لقد رسم أكثر من 15.000 كاريكاتير حتى الآن. هل رسم كاريكاتيرا يعد خطيئة لا تغتفر؟ ربما لا يتذكر بشار مقابلته الأولى مع فرزات!

يروي سامي كليب وقائع المقابلة في مقال نشر يوم 27 أغسطس (آب) في صحيفة «السفير». إن قراءة هذا المقال تجعل المرء يتساءل في البداية عما إذا كان هناك أسد آخر! يشرح كليب أن «راح الرئيس الأسد يجول في المعرض، يتوقف عند الرسوم الناقدة لرجال الاستخبارات. يستدير إلى أحد هؤلاء من بين مرافقيه، يضحك ويقول: (هذه عنكم). يكمل الرئيس جولته، يتوقف أمام علي فرزات، يسأله ما إذا كانت رسومه هذه تنشر، يجيب الرسام بالنفي، فالرقابة تمنع كل ما ينتقد هيبة الدولة. يصافحه الرئيس ويطلب منه أن ينشرها، لا بل يتصل الرئيس الأسد نفسه بوزير الإعلام، وسرعان ما يكتشف السوريون أن رسوم علي فرزات الناقدة لكل شيء باتت تنشر في صحيفة (تشرين)، زادت مبيعات الصحيفة».

من غير هوية الأسد؟ من أحال الأسد إلى «ذيعلب»؟ أعني مخلوقا جديدا هجينا من الذئب والثعلب. الأسد القديم الذي نعرفه كان سيتصل بوزير الثقافة للحصول على تصريح بنشر رسوم فرزات الكاريكاتيرية، وسيصدر أوامره لرئيس تحرير صحيفة «تشرين» بنشر تلك الرسوم. على النقيض، هناك أسد جديد بهوية جديدة يرتكب كل الفظائع التي كنا نشهدها خلال الأشهر القليلة الماضية. إنها الهوية الحقيقية للسلطة المطلقة. أتذكر أنني حينما كنت عضوا بلجنة الدفاع بالبرلمان الإيراني، كان آية الله خامنئي (الذي كان لقبه هو حجة الإسلام حينها) هو رئيس اللجنة. وأتى مجددا من الخط الأمامي، مرتديا زيا عسكريا، وكان الوقت مبكرا إلى حد ما، فقد كان موعد بدء اللجنة هو الثانية ظهرا، وسألني: «ما الكتاب الذي تقرأه؟».

- أجبت: «إنه (الدون الهادئ) لشولوخوف».

- قال: «إنه كتاب مشوق جدا. لقد قرأته. ما رأيك في الكتاب؟»

- رددت: «إنها قصة غريبة جدا، إنني أقرأها للمرة الثانية. في البداية، مع مضي أحداث القصة، يمكننا أن نرى الكثير من الشخصيات الرئيسية، لكن كالنجوم، معظمهم يختفي مع الوقت. نحن نفقدهم! يا له من أمر سيئ».

- وشرح أنه «بسبب ذلك، قيل إن الثورة تأكل أطفالها. فقد اعتمدت الثورة الروسية على المذهب المادي».

الآن، حين أتذكر تلك المناقشة، تتجسد أمامي صورة أخرى مظلمة. إن حسين موسافي ومهدي كاروبي رهن الإقامة الجبرية في منزليهما، في الوقت الذي زج فيه بالكثير من رموز الثورة المشاهير الآخرين في السجون، مثل بهزاد نبوي، الثائر القديم. هذه هي قصة السلطة المطلقة الغريبة. السلطة المطلقة التي لا حدود لها، تغير هوية الحكام الذين يحاولون بالتبعية تغيير هوية البشر، ونتيجة لذلك، يكون لزاما على كل فرد طاعة قائده.

بعدها، تصبح الطاعة العمياء هي المسؤولية المقدسة لكل شخص. فإذا أردت رسم كاريكاتير، فيجب أن تكون من مؤيدي من يتولون مقاليد السلطة، وليس مسموحا لك بانتقاد الحكومة، وعلى وجه الخصوص قوات الأمن. أما إذا واتتك الرغبة في انتقاد قوات الأمن، فانظر ما حدث ليدي فرزات وحنجرة قاشوش! تلك رسائل قوية تبعث بها الحكومة إليك، غير أننا تلقينا رسائل أخرى من بن علي ومبارك والقذافي. وكان مصدر الرسائل هو المنفى وقفص الاتهام والصحراء! كيف يستطيع الأسد الذيعلب التغلب على هذا النفاق؟ نحن نشاهد هذه الأيام قصور القذافي وقصور أبنائه وطائرة خاصة، على الجانب الآخر، نرى رجلا مجنونا يتحدث عن الصحراء ونقل خيمته إلى روما! ومتعطش لقتل المزيد والمزيد من البشر. استمع إلى رسالته الأخيرة، إنه يرغب في تدمير ليبيا، يقول الله في كتابه الكريم: «فلا يسرف في القتل».