لماذا سوريا وليس البحرين؟

TT

أما وقد أسقط في يد المدافعين باستماتة عن النظام السوري بعد إمعانه في القتل والترويع، وتلحفهم المفاجئ بالعبارة المطاطية التي تدعو الرئيس الأسد لـ«إجراء إصلاحات»، دون الإشارة إلى القتل والقمع الذي تلوثت به يد النظام، فإن هؤلاء القوم لم يفتهم العزف على وتر تشابه الثورة السورية بالأحداث في البحرين، في عملية تزوير فاضحة ومضحكة في آن واحد.

ولهؤلاء نقول، احسبوها بالورقة والقلم، ما دامت العقلانية لم تعد تجدي نفعا كما هي هذه الحالة. في البحرين وفي اليوم الثالث من اندلاع الاحتجاجات، يخرج ملك البلاد في خطاب على التلفزيون الرسمي يأسف وينعى 3 قتلى ويشكل لجنة رسمية للتحقيق، بينما في سوريا خرج الرئيس الأسد بعد أسابيع من الاحتجاجات وبعد مقتل العشرات ليعتبر المتظاهرين «متآمرين». في البحرين كلف ولي العهد بالحوار مع المعارضة، معلنا عن 7 مبادئ للحوار ضمت غالبية مطالب المحتجين. في سوريا يصف الأسد المحتجين بـ«الجراثيم» متهما إياهم بارتباطهم بأجندات خارجية، بينما تواصل آلة القمع والتدمير حصد الأرواح ليبلغوا المئات. في البحرين، وحتى عندما تحولت المطالب الإصلاحية إلى السعي لانقلاب على الملكية، وإخراج قوات الأمن للمحتجين من ميدان «اللؤلؤة»، استخدم الغاز المسيل للدموع في تفريق المحتجين، وخلفت العملية مقتل 3 من المعتصمين، بينما في سوريا تقتحم قوات الأمن وبصورة يومية، المدن والقرى والميادين وتخلف عشرات القتلى في يوم واحد (أمس مثلا قتل نحو 15 قتيلا)، وتستخدم الدبابات والبارجات لقصف المنازل، وحتى المساجد لم تسلم من القصف.

أما أهم الاختلافات بين ما حدث في البحرين وبين ما حدث ولا يزال يحدث في سوريا، أن أحداث البحرين خلفت نحو 32 قتيلا ما بين المحتجين ورجال الأمن، فيما بلغ العدد حتى الآن في سوريا أكثر من 2200 قتيل. في البحرين لا تزال المعارضة تنتقد السلطة بشراسة، وتعقد المؤتمرات الصحافية من داخل العاصمة المنامة لمهاجمة إجراءات الحكومة، بينما في سوريا من هو الذي يستطيع أن يفتح فاه بكلمة واحدة ضد حملات القمع والترويع التي تقوم بها السلطات وشبيحته.

لا شك أنه حتى أولئك المتزعمون للاحتجاجات داخل البحرين، يعون جيدا أنه لا مقارنة بين الحالتين البحرينية والسورية إطلاقا، ولكنهم يستخدمون هذه التشبيهات للكسب السياسي لا غير، وهذا أمر مفهوم، لكن غير المفهوم هو إصرار بعض الوسائل والجهات من خارج البحرين على هذه السذاجة في الطرح بين الحالتين، بل إنه حتى بعد أن شكلت البحرين لجنة دولية محايدة لتقصي الحقائق، وعفا الملك عمن طالبوا وعملوا على محاولة إسقاط مملكته، لا يزال هذا الربط غير المنطقي مستمرا، فهل يحلم السوريون، مثلا، أن يشكل الأسد لجنة دولية لتقصي الحقائق؟ إنه أمر مستحيل القيام به مع نظام قمعي يعي جيدا أن فضائحه ستبلغ عنان السماء لو شكل هذه اللجنة.

بقي أن نذكّر هؤلاء المتفذلكين المشبهين الحالتين البحرينية والسورية: ملك البحرين ليس رئيسا لجمهورية ليحق للمئات المطالبة بإسقاط مملكته، كما أن آل الأسد ليسوا ملوكا ليبقوا رؤساء للجمهورية السورية أبد الآبدين!