ضحكة وسط الوجوم

TT

كانت نشرات الأخبار هذا العام، هي المسلسل الأكثر شعبية بلا منازع. غالبا دموية كارثية مأساوية، وأحيانا شر البلية ما يضحك. أنا من الفئة التي لم تشاهد شيئا آخر. لا المهنة تسمح ولا الوقت يسمح ولا الحالة النفسية لرجل مثلي تمكنه من ترك اللحظات التاريخية من أجل استراحة مطولة. لكن على الرغم من كل شيء لم أستطع أن أقاوم غالبا أمسيات عبد الله السرحان وناصر القصبي. لا أنا ولا غيري كان يتوقع مسرحا كوميديا في السعودية. فالكوميديا كانت طوال عقود حكرا على مصر، مع حالات نادرة كما دريد لحام في سوريا أو عبد الحسين عبد الرضا الذي سيطر على المسرح الضاحك في الكويت، ولم يظهر له منافس أو خلف حتى الآن.

لم تعد الكوميديا السعودية مقتصرة على القصبي والسرحان بل برز فيها عدد آخر. لكن «طاش» ما زال رمزها الأول، نصا وإخراجا وقدرة عفوية كبرى على الإضحاك والسلوى، مع ما يرافق ذلك من ملامح اجتماعية. ولست ممن يؤيدون أو حتى يقبلون المسرح «الهادف» أو «الملتزم»، لأنه محكوم بالفشل والخطابية، والعمل الفني المجرد قادر على خدمة النقد الاجتماعي ألف مرة أكثر من العمل المصطنع، الذي يقوم به مكلفون.

أصبحت «إم بي سي» بقنواتها المتعددة أكبر وأنجح المؤسسات التلفزيونية في العالم العربي، يتبعها جمهور متنوع أيضا عبر العالم. غير أنني اقترحت على القصبي والسرحان ولا أزال أقترح أن يطلا على المسرح في مصر، فهذا تحد يستحق التجربة. أي أن نرى ردة فعل الجمهور المصري، المأخوذ بالمسرح، حيال كوميديا ليست له، ولا هي بلهجته، ولا من عالمه. ويتمتع القصبي بقدرة إيمائية مذهلة على تحريك عروق الضحك في المشاهد. ويذكرني بالمرحلة الأولى من عادل إمام، الذي كانت تهتز له مقاعد المشاهدين، إذا تكلم وإذا تظاهر بأنه يحاول عبثا الكلام.

حافظ السرحان والقصبي نحو ربع قرن على صورة الثنائي، التي كانت تميز الكوميديين في الغرب، واعتمدها دريد لحام مع نهاد قلعي، حتى غياب الأخير. وبدأ عادل إمام جزءا من مجموعة قلبت مصر على ظهرها، لكنه ما لبث أن استمر وحيدا. وقد أصبح السرحان والقصبي صورة واحدة في الذهن العربي، واحد طاش وآخر ما طاش.

أحب الغرب فكرة الثنائي (دين مارتن - جيري لويس، ولوريل - هاردي) إلى درجة أن ديغول عندما عاد من زيارة إلى جون كيندي سأله وزير ثقافته، أندريه مالرو، كيف بدوا للناس، أجاب: مثل لوريل وهاردي. لوريل كان نحيلا وهاردي كان ضخما.