تداعيات أحداث الـ11 من سبتمبر

TT

سوف يصف المؤرخون ما حدث في صباح يوم الـ11 من سبتمبر (أيلول) منذ عشرة أعوام، بأنه العمل الإرهابي الأكثر تدميرا حتى ذلك الوقت، لكنني أشك في أنهم سيرون أن العقد الأخير من تاريخ أميركا هو الأسوأ من حيث المبالغة في ردود الأفعال. بطبيعة الحال المبالغة في رد الفعل هي ما يتمناه الإرهابيون. إذا تم الحكم على أساس هذا المعيار، فسوف تكون أحداث الـ11 من سبتمبر من أنجح العمليات الإرهابية، حيث استُدرجت الولايات المتحدة إلى شنّ حربين لم تُحسما حتى الآن وتم استنزاف تريليون دولار وأكثر من خزانة الدولة، وتقويض قوة ومكانة أميركا. زادت هاتان الحربان قوة أعدائنا وأضرت بصداقتنا وأفرزت المزيد من الإرهابيين أكثر مما قتلت.

تعتقد الولايات المتحدة مثلها مثل أي ضحية أن الحل يكمن في القوة المفرطة، لكن الأفكار نادرا ما تتغير بالقوة والإسلام المسلح ما هو إلا فكرة. وكانت النتيجة هي اتجاه سياسة أميركا الخارجية نحو القوة العسكرية. لقد تم تنفيذ الحرب القصيرة للإطاحة بنظام طالبان وتخليص أفغانستان من أسامة بن لادن باستخدام القوة الجوية وحلفاء التحالف الشمالي وبعض عملاء وكالة الاستخبارات المركزية لتحقيق هدف بعينه. الفشل في اعتقال بن لادن وأيمن الظواهري، الرجل الثاني في التنظيم، والسماح لهما بالهروب من تورا بورا حيث كانا في مأزق يعد فشلا كبيرا.

أدى الاحتلال الذي دام عشر سنوات ومحاولاتنا لبناء الدولة إلى كوارث. في البداية كان يتم تخصيص موارد غير ضرورية لأفغانستان، بينما لا يتم الالتفات إلى الهجوم المخطط بشكل سيئ على العراق، وعندما أصبحت أفغانستان أخيرا على قائمة الأولويات كانت لحظة النجاح قد مرت. تحولت الحرب الأفغانية اليوم إلى حرب ضد قبائل البشتون، التي تعد من أكثر الجماعات المحبة للحروب والأكثر استعدادا لها والتي أخفقت إمبراطوريتان قبلنا وهما الإمبراطورية الروسية والبريطانية في قهرها. لا يوجد مكان أسوأ من هذا المكان للقتال ولا يوجد أشخاص يصعب فرض إرادتك عليهم أكثر من هؤلاء. وقد استجابت قبائل البشتون إلى الدعوة إلى الجهاد منذ قرون وأظهرت بطولة لا مثيل لها في قتال الأجانب. ولم يتم القضاء على حركة طالبان رغم أن الحملة الدعائية تروج لعكس ذلك، ولم تنجح مكافحة التمرد التي كانت تهدف إلى حماية الناس والفوز بدعمهم. يبدو أننا نتبع استراتيجية مفادها أننا إذا قتلنا المزيد من أفراد قبائل البشتون فسوف يوافقون على الاستسلام. صحيح أن قبائل وعشائر البشتون تتجه إلى تغيير تحالفاتها عندما تكون الحوافز مغرية بالقدر الكافي، لذا ففكرة الفوز بدعم بعض الجماعات التي تقاتلنا الآن لم يكن أمرا غير مطروح للمناقشة.

لكنها لم تؤت أي ثمار حتى هذه اللحظة ووقع الجنرال ديفيد بترايوس في الفخ الذي وقع فيه كثير من القادة الذين سبقوه، فقد كان يعتقد أن ما تعلمه في حرب العراق قابل للتطبيق في حرب أفغانستان. لقد ارتكب حلفاؤنا البريطانيون الخطأ نفسه حينما اعتقدوا أن ما نجح في تحقيق السلام في شمال أيرلندا يمكن أن ينجح في أفغانستان.

أما بالنسبة للعراق، إن كان هناك حرب أفكار فقد كانت هناك. يعتقد المنظرون من المحافظين الجدد والذين لا يعرفون شيئا عن العراق، أن قوة التحول الديمقراطي يمكن أن تغير الشرق الأوسط وتجعل العرب كالأميركيين. لكن ما حدث هو أن العراق أصبح أكثر اتساقا مع الشرق الأوسط، ورغم تراجع وتيرة العنف، لم يقترب الوضع من النسق الطبيعي. كذلك لم يتم حسم أي من القضايا المطروحة ومنها توازن القوى بين السنة والشيعة والعلاقات بين كردستان وباقي أجزاء البلد.

على الجانب الآخر، اتخذ العراق موقفا داعما بشدة لإيران وقد كان ذلك جليا عندما دعم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الرئيس السوري بشار الأسد بناء على طلب إيران.

لقد شهدت سنوات إدارة جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني تجاهلا للحريات المدنية باسم محاربة الإرهاب، وأوضح اللجوء إلى التعذيب كيف يمكن للخوف أن يلقي بأكثر البلدان ديمقراطية إلى ظلمات الجبّ بسهولة. ورغم أن تنظيم القاعدة نجح نجاحا ملحوظا في توحيد الكثير من بؤر المظالم في العالم الإسلامي وإجادة تقنيات الإنترنت، فحقيقة الأمر هي أن أكثر المسلمين لا يفضلون العيش تحت حكم النظام المتشدد الذي يروج له تنظيم القاعدة. إن أفكار بن لادن عن الإسلام مثل أفكار بول بوت عن الاشتراكية. لكن يدل انتشار التوجه المعادي للإسلام في أوروبا والولايات المتحدة منذ أحداث الـ11 من سبتمبر والذي أدى إلى نتائج عكسية، على أن أسامة بن لادن لم يخفق تماما في إفساد العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب.

* خدمة «واشنطن بوست»