حادثة مصر.. وحادثة ديانا

TT

مثل ما يحدث في مصر بعد الثورة كمثل حادثة ديانا ودودي الفايد في نفق باريس؛ كان واضحا للجميع أن السيارة في طريقها إلى الارتطام المروع بجدار النفق، ومع ذلك كان الببراتسي (أو المغرمون بمتابعة النجوم وتصويرهم) غارقين في فيض نور الفلاشات الصادرة من كاميراتهم، وربما ساهموا عن غير قصد في وقوع الحادث. وبنفس الطريقة يقف المصريون اليوم بعدسات كاميراتهم وتلفزيوناتهم يشاهدون تلك السيارة (مصر) وهي في طريقها إلى الارتطام بأقرب جدار، يرونها رؤية طفل يتعلم قيادة الدراجة لأول مرة يرى الجدار ويركز كل عينيه عليه من أجل أن يتفادى الارتطام به، غير مدرك أنه بتركيزه هذا يدخل الدراجة كلها في الجدار وفي النقطة التي تحاول عيناه تفاديها تماما.

مثل ديانا ودودي كمثل مصر، علاقة غير شرعية فيها حمل محتمل وغير مكتمل، ولكن الجميع يعرف أن العلاقة لن تستمر، ربما لأن دودي الفايد لم يكن مهتما بالزواج أصلا، هو فقط يضع الأميرة ضمن سقف تحدياته من غزواته النسائية، فقد عرف دودي من قبل عارضات الأزياء الكبار وأكثر الممثلات شهرة وبريقا، وما بقيت سوى الأميرة التي بدت في مخيلته كرمز للإنجليز الذين حرموا والده الجنسية والذين احتلوا بلاده سابقا، وغزوة الأميرة هي رد شرف على كل الأصعدة. العلاقة لم تكن لتكتمل لسبب آخر هو موقف العائلة المالكة في بريطانيا وموقف الإنجليز أنفسهم من فكرة هروب الأميرة مع أجنبي مسلم خارج الشرعية لتنجب ولي عهد مسلما لبريطانيا العظمى. الجميع كان يعرف أن الحمل لن يدوم ولن يكون هناك زواج، فقط ستكون هناك حادثة مروعة ترسم ملامح نهاية مشهد لم يكن مكتوبا له أن يدوم.

وهكذا مصر اليوم، نرى المجلس العسكري في علاقة غير شرعية مع «الإخوان المسلمين»، يريدون لمصر حملا جديدا وميلادا خارج الشرعية، يركبون السيارة المسماة بمصر ويقودونها بسرعة هائلة في نفق مظلم، فقط محاطون بأضواء كاميرات التلفزيونات المصرية الخاص منها والعام، بحر من وميض الفلاشات ويتصارع الببراتسي على شاشاتنا وصحفنا بين مؤيد لـ«الإخوان» ومؤيد للعسكر، في صيحات هستيرية كتلك التي تصيب المراهقات عندما يرين نجمهن المفضل لأول مرة، صراخ مراهق، ومحاولات لكسب نظرة أولى أو توقيع على أوتوغراف. «الإخوان» والعسكر يقودون سيارة مصر بسرعة هائلة نحو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فقط كي يكون الحمل شرعيا، وكي يولد طفل مسلم يتمكن من تاج وادي النيل، ورأيي أنه لن يكون هناك حمل أو ولادة، فقط نحن في انتظار ارتطام السيارة بالجدار في هالة من أضواء فلاشات التلفزيونات المصرية.

مصر ليست سيارة «مرسيدس» كتلك التي كان يركبها دودي وديانا. في وضعها الحالي وبعد الثورة، مصر هي سيارة هشة يقودها «الإخوان» والعسكر، متى ما اصطدمت بالجدار ستحدث دمارا هائلا وحريقا، لن يصيب مصر وحدها، بل سيصيب الجوار والجدار، ستلحق النار بالجار، ومع ذلك يقف الجميع بعدسات كاميراتهم كما الببراتسي فقط يضيئون الفلاشات التلفزيونية وغير التلفزيونية، غير مدركين أن سلوكهم هذا يسهم في التسريع بلحظة الارتطام ولحظة الواقعة. متى ما انكسرت مصر هذه المرة، فظني أن إعادتها إلى سيرتها الأولى غير واردة في العشرين سنة المقبلة.

عندما تُحدث المصريين عن احتمالية التصادم، يقولون لك إننا في مرحلة انتقالية، «وكلها شهور ويترك العسكر المشهد، وننتج برلمانا ودستورا يبني مصر الحديثة ويضعنا على الطريق الصحيح نحو المستقبل». بداية الذين يتحدثون عن المرحلة الانتقالية وعن قادة السيارة الذين يقودونها بشكل مؤقت، عليهم أن يعرفوا أننا لسنا في مرحلة انتقالية، بل نحن في منعطف تاريخي، إما أن تكون هناك مصر كدولة محترمة، مكانا ومكانة، أو نحصل على الصومال كبديل.

إنني أرى، وبكل أمانة، أن الذين غشوا اللعبة منذ بدايتها برسم قواعد اللعبة وحدود الملعب يعرفون إلى أي مصر يصبون، لديهم ذلك الهدف الذي يشبه رؤية الطفل الذي يقود الدراجة ويحاول تفادي الجدار، مركزين في هذا الهدف، يحاولون تفادي الجدار، ولكنهم سيرتطمون بالجدار حتما. لقد كتب «الإخوان» كل التعديلات الدستورية، ومنعوا من منعوا من الترشح أو حتى من المشاركة في الحوار، وكتبوا أيضا قانون الانتخابات البرلمانية والتشريعية، وقرروا من يشارك ومتى يشارك ومتى تكون الانتخابات. فإذا كان كل هذا معدا سلفا، وسلفا هنا تعني قبل الحدث، ولا علاقة لها بالسلفيين رديف «الإخوان»، فإذا كان كل الأمر معدا سلفا، فكيف لنا أن نتوقع حملا وولادة وجنينا غير الجنين؟

الجنين الذي في رحم الثورة المصرية مشوه وغير شرعي، كما كان الجنين في رحم ديانا لو كان هناك جنين حقيقي أو متوهم، وسيارة مصر يسوقها سكارى بنشوة اللحظة، يهربون بها في نفق مظلم، فقط يتابعهم الببراتسي من حملة كاميرات التصوير وعدسات التلفزيونات، وما هي إلا لحظات حتى ترتطم السيارة بالحائط، يموت دودي في الحال وتبقى ديانا للحظات بعده ثم تموت. ولم تنفع الورود ولا الجنازة الملكية في تسكين الآلام، فالبكاء لا يأتي بميت إلى الحياة، نحن في مصر اليوم قبل لحظة الارتطام بالجدار، فقط أيام قليلة تفصلنا عن الحادثة. من فضلكم أوقفوا هذه السيارة وأنزلوا السائق، وخففوا من فلاشات الكاميرات، قبل أن تقع الواقعة.