لماذا نحب الموظف الشامل؟!

TT

توجهت ذات يوم إلى إحدى المؤسسات الأميركية لاستخراج رخصة قيادة، ففوجئت بطابور طويل من المراجعين ينتهي إلى موظف لا يحمل سوى قلم أصفر فسفوري. وبعد أن يسألك عن هدفك من الزيارة، يظلل لك الجزء المطلوب تعبئته في الطلب. تسلمت الطلب منه مع رقم المراجع، ثم جلست أنتظر دوري. بعد دقائق إذا بالموظف الشامل يستقبلني بابتسامة، فجعل يقلب مستنداتي بروية ثم اعتمدها. فقال الآن سأفحص نظرك. وقفت ألتفت يمنة ويسرة، بحثا عن اللوحة الشهيرة التي فيها حروف E بالإنجليزية، فتبسم الموظف وقال «اجلس»، فدفع إلي بجهاز يشبه المجهر، نظرت فيه وأجبت عن كل الأسئلة المطلوبة لقياس نظري. بعدها أرسلني إلى شاشة حاسوب بجانبه فقال: «الآن سيبدأ الاختبار النظري فإذا نجحت سوف يصطحبك مدرب لاختبار مستوى قيادتك». ونجحت نظريا ثم أخذني المدرب لاختبار عملي كان النجاح حليفي فيه أيضا. وبعد دقائق من التقاط صورتي الفوتوغرافية، طبعت لي الآلة إجازة قيادة مدتها عشرة أعوام!

تذكرت هذا الموقف وأنا أقرأ تذمر الناس في صحيفة عربية من البيروقراطية التي تكدس أعدادا كبيرة من الموظفين الهامشيين لينجزوا مهمات كان يمكن أن يقوم بها موظف شامل. وحقيقة هذا الموظف الشامل هو السر الذي يقف خلف شعورنا بالسعادة ونحن ننجز معاملاتنا المهمة في دقائق معدودة في البنوك وشركات الاتصالات والمطارات وبعض الجهات الخدمية المتقدمة إداريا.

والموظف الشامل باختصار هو شخص تقوم المنظمة بتدريبه جيدا ليكتسب مهارات عدة ومعلومات مهنية مهمة تساعده على تأدية أعمال متنوعة تكفي المراجع أو العميل عناء الطواف في أروقة الإدارات الغارقة في البيروقراطية. وبعض المنظمات لا تدرك أن كثرة الموظفين الذين ينجزون معاملة واحدة هو مؤشر سلبي، بل دعاية سلبية عنها. لذا فحري بالمسؤولين أن يجروا بين الفينة والأخرى تقييما للوقت الذي يقضيه العميل في كل خدمة وعدد من يقدمونها (أو الدورة المستندية)، لتقليصها وتطبيق فكرة الموظف الشامل. وإذا لم يحدث ذلك رسميا فإن المدير نفسه يمكنه أن يجتهد في تكليف بعض الموظفين بمهام وظيفية أخرى ليتقدم مستوى خدمات الإدارة، وحينها يفترض أن تقدره له ذلك الإدارة العليا. وهنا يجب أن نكون حذرين عند أخذ آراء الموظفين في خطة الموظف الشامل لأن شهادة الموظفين الذين سيكلفون بمهام وظيفة أكثر تكون مجروحة بطبيعة الحال.

هناك تجارب عربية ناجحة في تطبيق فكرة الموظف الشامل، منها مراكز الخدمة الموجودة في الأحياء السكنية بدولة الكويت التي تجدد فيها الجوازات والإقامات ورخص القيادة وغيرها، فضلا عن مؤسسة التأمينات الاجتماعية التي تعد أنجح مؤسسة حكومية في تطبيق مشروع الموظف الشامل منذ سنوات كثيرة. وهناك أيضا تجارب ناجحة في بلدية دبي وأبوظبي والسجل المدني السعودي. كما أذكر أنني ذهبت مع مجموعة من المستثمرين الخليجيين لتأسيس شركة مساهمة في البحرين، وكان ذلك في مركز حكومي لرجال الأعمال تم وضعه في أشهر مول تجاري هناك، حيث تجد أن كل وزارة قد وضعت لها موظفا شاملا أو أكثر لإتمام كل الأعمال المطلوبة بمكان واحد وبسرعة قياسية.

تجربة الموظف الشامل يجب أن تعمم في بلداننا، وخصوصا في القطاعات الخدمية التي تتطلب حضور المراجعين والعملاء، حتى لا يضيع الناس أوقاتهم في دهاليز الوزارات وحتى الشركات الخاصة التي لا تلقي اعتبارا يذكر لخدمة العملاء. كما أن رؤية الموظف الشامل تشعرنا كمراجعين بالراحة وربما هذا السبب الذي يجعلنا نحبه أو نحب التعامل مع هذه المنظمة التي تحرص على راحتنا.

[email protected]

* كاتب متخصص في الإدارة