اعرف نفسك

TT

في تعليقهم على ما كتبته في «خيبة بعد خيبة»، انتقدني البعض على جلد الذات. نسب آخرون فشلنا في الحصول على جوائز عالمية لمعاداة الغرب لنا. هذا هو الرمل الذي ندفن فيه رؤوسنا كالنعامة ونتجاهل الواقع. إنني أتمثل بقول الغربيين على لسان سقراط: «اعرف نفسك». وبقولنا: «رحم الله امرأ عرف قدر نفسه». بوحي ذلك مثلا تخليت عن مهنة الرسم رغم أنني قضيت عشر سنوات في دراستها. ولكنني وجدت في الأخير أنني لا أتقن ذلك. اعترفت بالواقع وتوجهت نحو مهنة أخرى. ليس هناك أي عيب في ذلك. ولكننا مع الأسف دأبنا على الهروب من وجه الواقع واتهام الآخرين عن فشلنا بدلا من دراسة أسباب هذا الفشل، وقبل ذلك الاعتراف به.

عندما احتشد الإنجليز والأميركيون لمشاهدة الأوبريت النيجيري وصفقوا له بحماس، هل فعلوا ذلك لأن حكومتهم أمرتهم بذلك؟ وعندما تقاعسوا عن مشاهدة الفرق العربية، هل كان ذلك لأن الصهيونية طلبت منهم ذلك؟ وهل كان المحكمون مغرضين ضدنا عندما لم يعطوا ميدالية ذهبية لعداء عربي في ركض المائة متر؟ «شوية عقل وشوية شجاعة يا جماعة».

كل أرقام المنجزات العالمية السنوية في عالم العلم والفكر والفن والثقافة والرياضة تشهد ضدنا. ما هي أسرار هذا الفشل؟

هناك العائق المناخي. مناخ معظم المناطق العربية لا يشجع على العمل والنشاط والإبداع. يرتبط بذلك الأمراض الوبائية التاريخية كالملاريا والبلهارسيا والسل. كلها أمراض تسبب فقر دم وهبوطا في الطاقة والنشاط. تخلق هذه العوامل نفسية الكسل والاتكالية والاستسلام. نجد من ظواهرها التسكع في المقاهي والطرقات والهجوع في الشمس شتاء والظل صيفا وانخفاض الإنتاجية. رفع المستوى الصحي وسيلة أساسية للتغلب على هذا الخلل. بيد أن هناك أيضا عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية تساهم في هذا الفشل العام، منها انعدام الحافز. فلا يشعر العالم أو الأديب أو الفنان بأن إنتاجه وإبداعه سيثمر أي شيء. فهو يرى كل شيء، بما فيه منح الجوائز، يتوقف على المحسوبيات والصداقات والفساد بشتى صوره. بدلا من التفرغ للإبداع يضطر لقضاء وقته في الجري وراء لقمة العيش. هكذا أنفقت جل وقتي لسنوات طويلة في الترجمة التجارية، لأنها كانت السبيل الوحيد لإعالة نفسي وأسرتي. يقضي آخرون وقتهم في التزلف للمسؤولين والجري وراءهم ومصاحبتهم.

بالطبع هناك عوائق أخرى ترتبط بالفكر. هناك ميادين كثيرة لا يجوز للمبدع أن يخوض أو يناقش فيها أو يمسها. وهناك ممارسات محظورة. لا يجوز في معاهد الفنون التشكيلية دراسة جسم الإنسان أو رسمه أو نحته. كل ما يمس الجنس محظور أيضا. لا يجوز ذكر حتى الكلمات والعبارات المتعلقة به. وهذا ما يعطي العالم غير الإسلامي فرصة أكبر للتميز علينا. وأخيرا فهناك الجانب السياسي الذي يضع خطوطه الحمراء التي لا يجوز تخطيها. وأصبحت هذه الخطوط الحمراء في الأنظمة الثورية تمس أي فكرة أو كلمة تتناقض مع آيديولوجية الحزب الحاكم.

وأخيرا وآخرا هناك الجهل والأمية التي تخنق المبدعين.