أخطر شركة في العالم؟

TT

فجأة تحدثت الأخبار ووكالات الأنباء عن خبر صغير ضاع وسط زحام الأخبار الأخرى، مفاده أن السلطات الأمنية في كوريا الجنوبية اقتحمت مكاتب شركة «غوغل» العملاقة للتقنية وذلك للتفتيش والتحقيق. خبر مقتضب ومختصر ولكنه مهم. وهذه بطبيعة الحال ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الشركة لمواجهات مع حكومات ومع الأجهزة الرقابية فيها، فهي لها مواقف ومواجهات مشهورة ومعروفة مع حكومات الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لما تعتبره هذه الحكومات تدخلا في خصوصيات الناس واعتداء على حقوقها وتهديدا للأمن الوطني، وهو ما اضطر بعض المراقبين لأن يصنف هذه الشركة بأنها «أخطر شركة في تاريخ العالم». ودور «غوغل» اليوم معروف للأغلبية من العالم بأنها محرك البحث الأهم وبالتالي معظم الباحثين عن معلومات يلجأون إلى «غوغل» بشكل رئيسي حيث تستحوذ الشركة على أكثر من 80 في المائة من سوق البحث الإلكتروني، وطبعا هناك الكثير من الجدل في «موضوعية» المعلومات التي توضع كمعلومة بعد طلب البحث وترتيب البحث (المعدل العام أن أكثر من 20 في المائة من الباحثين لا يتصفحون إلا الاختبارات الخمسة الأولى) فلكم أن تتخيلوا حجم «التأثير» المعلوماتي الذي لدى «غوغل» في صناعة الرأي العام أيا كان.

لم تكتف «غوغل» بهذا وإنما توسعت في تقديم الخرائط كوسيلة تدقيق مواقع، فإذا لم يكن الموقع «موجودا» على خريطة «غوغل» فهو غير موجود بحسب الذهنية المتلقية للمعلومة. واليوم «غوغل» تتوسع بقوة في نظام التشغيل للهواتف الجوالة المعروف باسم «أندرويد»، وهو نسخة مقلدة ولكنه متطور قليلا عن نظام التشغيل الذي أصدرته شركة «آبل» والمعروف باسم الـ«آي فون»، وطبعا «غوغل» تنتج نظام التشغيل دون إنتاج الجهاز نفسه (لفترة أقدمت على ذلك ثم توقفت) وبالتالي ضمنت انتشار نظامها على أجهزة «سامسونغ» و«سوني أريكسون» و«موتورولا» وذات الشيء حدث بالنسبة للكومبيوتر اللوحي المحمول. ونجاحات «غوغل» مكنتها أن يكون للأندرويد حصة في سوق الأجهزة المحمولة من هواتف وكومبيوترات لوحية، ما نسبته عشرة إلى واحد مقارنة بالآبل، وهي نسبة هائلة، إلا أن نجاحات «غوغل» لم تلاحقها في كل الأنشطة الخاصة بها؛ فهي لا تزال متأخرة في بريدها الإلكتروني المعروف باسم الـ«جي ميل» مقارنة بكل من الـ«ياهو ميل» والـ«هوت ميل» التابع لميكروسوفت وإن كانت نسبة الـ«جي ميل» تنمو بسرعة هائلة، وكذلك فشلت في تطوير منتجين مهمين جدا؛ الأول كان هدفه تكوين شبكة تواصل اجتماعية لمنافسة الـ«فيس بوك» ولم تنجح، وها هي تعيد إطلاق «غوغل بلس» لنفس الغرض، وكذلك الأمر حاولت منافسة «تويتر» ولم تنجح، ولكن الكثير من المراقبين يعتبر أن خطورة «غوغل» الأهم لم توظفها حتى الآن، وهو ما يكمن في كم المعلومات المهول المتوفر لها في أجهزة البحث المطورة جدا لديها والمتعلقة بأهواء واهتمامات وإحصائيات كل باحث في محركها عن كل شيء، وما يمكن أن يعود ذلك بفائدة على الشركات الاستهلاكية وعلى الأجهزة الأمنية، وهو تماما ما توقعه الكاتب الإنجليزي المشهور جورج أوريل في كتابه الاستشرافي ذائع الصيت، رواية «1984»، ووصفه للحكومات بالأخ الأكبر الذي يعلم «كل شيء»، وهذا ما تخشاه اليوم الدول من «غوغل» وكبرها المهول والمسيطر على المعلومات والإحصاءات وأسلوب وطريقة تقديمها للعامة وتشكيل ذلك بصورة نمطية محددة في الأذهان، بحيث تتحول إلى حقيقة مطلقة لا يمكن التشكيك فيها.

«غوغل» اليوم لم تعد في تنافس تقليدي مع الشركات فحسب بل في تنافس مع حكومات كبرى أدركت خطورتها وعرفت أهميتها وهي في حيرة من أمرها كيف يمكن أن تحجمها بدون أن تقضي عليها.

[email protected]