تجميل الأنف.. واضطراب الحالة العقلية

TT

الانتشار الواسع للرغبة في إجراء عمليات تجميل الأنف rhinoplasty هو إحدى القضايا التي تشغل بال الوسط الطبي في جانب البحث عن المبررات.

وكانت إحصائيات طبية متعددة قد لاحظت في نتائجها أن نسبة مهمة من الذين يطلبون إجراء هذه العملية لهم لإصلاح شكل أنوفهم، كانوا هم بالفعل ممن وهبوا أنوفا ذات معدلات طبيعية ومقبولة في الشكل والحجم. كما لاحظت أن غالبيتهم يتجهون نحو الأنف بالذات في تبرير عدم جاذبية وجمال شكل وجوههم، ولذا يتطور لديهم مع الوقت شعور بأن مجرد تغيير شكل الأنف بالعملية الجراحية سيكون هو النقلة النوعية الفاصلة، التي ستجعلهم ضمن مجموعة الجميلين والجذابين في المظهر الخارجي للجسم!

ومع ظهور نتائج دراسات طبية أخرى حول مدى نجاح العمليات الجراحية لتجميل الأنف في تحقيق الهدف المرجو منها لدى من يتم إجراؤها لهم، وليس لدى الأطباء الذين يجرونها، يتبين أن أكبر «الآثار الجانبية» للخضوع لهذه العملية التجميلية هو «عدم الرضا» و«عدم القناعة» بتحقيقها للهدف المأمول، أي اكتساب شكل جديد أجمل للأنف والوجه. ناهيك عن نسبة تفوق الـ25 في المائة من نتائج هذه العملية التي تؤدي إلى فشل جراحي في عدم تحقيق التناسق في شكل الأنف أو التسبب بتشوهات في شكله وبنيته، ما يتطلب لزاما إجراء عمليات تجميلية لإصلاح ما تسببت به العملية التجميلية الأولى من تشوهات.

والسؤال المطروح، لماذا تحصل هذه الأمور، ولماذا هذا الإقبال على إبداء الرغبة في تجميل الأنف وعدم القناعة بما خلق المرء عليه في شكل أنفه؟

جانب كبير من الجواب ربما فيما طرحته دراسة الباحثين البلجيكيين في عدد أغسطس (آب) الماضي لمجلة «جراحة التجميل وإعادة البناء» Plastic and Reconstructive Surgery حول تقييم الحالة العقلية لدى من يطلبون الخضوع لإجراء عمليات تجميل الأنف. وقد لاحظ الباحثون في نتائجها أن واحدا من بين كل ثلاثة أشخاص يبدون رغبتهم في الخضوع لعملية تجميل الأنف هم بالفعل لديهم أعراض أحد أنواع الاضطرابات العقلية الحقيقية، والمؤثرة بدرجة واضحة على سلوكيات الحياة اليومية، والناجمة عن عدم القناعة بالشكل الخارجي للجسم. وهذا الاضطراب العقلي هو حالة «اضطراب عدم القناعة بانسجام شكل الجسم» body dysmorphic disorder (BDD). وهي حالة من الاضطراب النفسي التي يصاب بها البعض ولا يدركون أنهم مصابون بها حقيقة، بل غالبا ما ينكرون ذلك تماما. وتؤدي بهم الحالة إلى الاعتقاد الجازم بأن هناك عيبا في شكل أحد أجزاء جسمهم بدرجة كبيرة وواضحة، ما يؤثر بشكل حقيقي وواضح أيضا على مدى رضاهم عن تقبلهم لأنفسهم وتقبل الناس لهم في ما هم عليه من «صورة أجسامهم في أذهانهم» Body Image، بكل ما يتبع هذا من انخفاض مستوى «الرضا بالذات» low self - esteem، وبالتالي تدني قوة الثقة بالنفس self - confidence في المخالطات والأنشطة الأسرية والاجتماعية والوظيفية، وفي أيضا مقاومة ضغوط معايشة تلك الأنشطة والتفاعل معها.

وعلق الدكتور فاليري بيكافييت، الباحث الرئيسي في الدراسة من المستشفى الجامعي بليوفان، على نتائج الدراسة بالقول إن «هذه الدراسة تظهر لنا أن مدى تفشي أعراض حالة (اضطراب عدم القناعة بانسجام شكل الجسم) في أوساط من يخضعون لعمليات تجميل الأنف هي بالفعل مرتفعة، وأن هذه الشدة في أعراض هذا الاضطراب العقلي، لدرجة طلب تغير شكل أحد أجزاء الجسم جراحيا، لها مردودات سلبية على الأداء في معايشة أنشطة الحياة اليومية لدى هؤلاء المصابين بهذه الحالة النفسية».

وتابع الباحثون في دراستهم نحو 300 شخص ممن طلبوا الخضوع لعملية تجميل الأنف لمدة تجاوزت 16 شهرا، وذلك للتأكد من نتائج تقييمهم للحالة النفسية لديهم. وتبين لهم من النتائج أمران مهمان؛ الأول، أن أكثر من 33 في المائة منهم لديهم بالفعل أعراض هذا الاضطراب النفسي بدرجة شديدة في الغالب severe symptoms. والثاني، أن من بين هؤلاء المصابين بهذه الحالة العقلية، تبين أن نسبة من طلبوا الخضوع لهذه العملية لتحسين شكل الأنف المشوه بالفعل، وباعتراف الأطباء أن ثمة تشوها أنفيا أو اضطرابا مرضيا في عمله لديهم ويتطلب بالتالي تعديلا جراحيا، قد بلغت فقط 2 في المائة، بينما من طلبوا هذه العملية لمجرد إرضاء رغبتهم العارمة في تحسين شكل الأنف، ودونما داع طبي حقيقي يوافق عليه الأطباء في تقييم شكل وعمل الأنف، بلغت نسبتهم 43 في المائة، وهو ما دفع الباحثين لتذكير أطباء التجميل بضرورة الوعي بمدى انتشار هذه الحالة لدى من قد يطلبون منهم تغيير شكل أنفهم جراحيا، وإجراء التقييم النفسي والعقلي لهم بشكل روتيني قبل خضوعهم لهذه العملية. كما أعاد الباحثون التذكير بأن من المهم اكتشاف الإصابة بهذه الحالة من الاضطراب النفسي، نظرا لملاحظتهم أن تأثيرات أعراض هذه الحالة النفسية على المصابين بها لا تقتصر على تكرار الخضوع لعمليات التجميل في مناطق شتى من الجسم دونما تحقيق حالة الرضا بالنفس وشكل الجسم، بل تتجاوز إلى تدني مستوى نوعية الأداء في أنشطة الحياة اليومية ونجاح العلاقات الأسرية والاجتماعية والوظيفية.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]