أسباب الضحك

TT

للقراء، مثلنا جميعا، آراء وأهواء. وقاعدتي في العمل، وفي الحياة، أن أرضي ضميري بقدر ما أستطيع وألا أغضب أو أزعج أحدا، بقدر ما هو ممكن. ولا يسهل دائما الجمع بين الاثنين. كنت أكتب قبل نحو 15 عاما، ساخرا من نفسي ومن حالي، عن آلام المفاصل. وذات مرة كتب قارئ مغربي من كاليفورنيا ينتقد ذلك، فلم أعد آتي على ذكر المفاصل إلا في التاريخ. ومرة أخرى كتب قارئ عراقي يشكو من أنني أُكثر من الكتابة عن لبنان، فقللت من ذلك إلا إذا أثقل شأن لبناني على كل العرب.

لا يعني الالتزام بالملاحظات الضياع في القيود، لكن هناك قواعد مهنية وقواعد أخلاقية أحاول البقاء ضمن دوائرها، نجحت أو أخفقت. ومنذ فترة يكتب قارئ عزيز من الإمارات متسائلا عن سبب التشاؤم الذي أنا فيه. وباحثا عن الابتسامة والتفاؤل. ويبدو أن القارئ الكريم مستجد على الزاوية، التي كانت مليئة بالأفكوهات، على ما يقول أديب سعودي، لا يرضى من اللغة إلا بتفكيهها. وعندما كتبت «ضحكة وسط الوجوم» عن القصبي والسرحان، كتب القارئ العزيز من الإمارات أفكوهة سريعة يقول فيها: آه، لقد عثرت أخيرا على ضحكة، أجل يا مولاي، وجدتها وجدتها كما هتف أرخميدس، وشكرا لمن طاش وللذي ما طاش. ولا بد أنك لاحظت أنه لم يعد في الأمة ما يبهج إلا بعض المسلسلات، والباقي «باب الحارة» ماضيا وحاضرا. شوارب غليظة معكوفة وصراخ وصياح وتأنيب وتهديد وسكاكين، أو صيغتها الحديثة، الرصاص.

يا مولاي، أنا أكتب للناس. ليس خطئي أن مهند، التركي الوسيم، غاب هذا العام؛ لأن تركيا امتلأت بالمخيمات ونحن على أبواب الخريف، كما هو حال الأمة منذ قرون لم أعد أعرف عددها على وجه الضبط. وأما الربيع القصير يا صديقي فكان «حلم ليلة صيف» كما في العنوان الشكسبيري. وإليك آخر أخباره من مصر، أم الدنيا وأم الثورات وأم الربائع.. وأيضا آخر صوره. نبدأ بالصورة، وهي من «الأهرام»: على مدى ربع صفحة، صورة جانبية لرجل مسجى على سرير، يرتدي بيجامة داكنة مقلمة (أزرق على كحلي) وتشبه معالم وجهه صموت (على غرار أفكوهة) أبي الهول. وتذكر جنابك أنه في هذا المكان من «الأهرام»، على مدى 30 عاما، كل يوم من أيام ربنا، كانت تنشر للرجل صورته محاطا بوجهاء القوم، لا بحمالي الأسرّة.

هل تهدف «الأهرام» إلى إثارة العطف أو إلى تأكيد نجاح الثورة؟ لا أدري. ومن «الأهرام» إلى «روز اليوسف» المسائية، التي أنشأتها فاطمة اليوسف في معركتها مع النحاس باشا، قام سكان قرية دسوق بإخراج بلطجي من بيته، قطعوا يديه ورجليه، ثم سحلوه وسط التصفيق والتهليل. وفي قرية صفط اللبن مزقت مؤخرات السارقين وسط التصفيق. وفي كمشوش بالمنوفية قتل سارق وسحل خمسة.. لا.. ليست ضحكة ولا مزحة.