العرب وفلسطين الدولة

TT

الاعتراف بدولة فلسطين معركة رمزية مؤجلة؛ فهي فعلا دولة أكثر من بعض أقدم أعضاء الأمم المتحدة. عند فلسطين مقومات الدولة: الأرض والشعب والسلطة، قبل اعتراف الأمم المتحدة بدولة إسرائيل نفسها في عام 1948، لكن الصراع السياسي حال دون قيام الدولة الفلسطينية. والأكيد أن إسرائيل كانت ولا تزال العائق الأكبر كونه صراع شعبين على «أرض واحدة»، لكن يجب أن نعترف بأنه كانت هناك عوائق أخرى حالت دون قيام الدولة؛ فالمجموعة العربية، من ناحية، هي التي أسست أول كيان فلسطيني سياسي وعسكري تحت اسم منظمة التحرير الذي أعلن في السنة نفسها التي تحررت فيها الجزائر، ومن ناحية أخرى عاملت فلسطين، مثل إسرائيل، كأراضٍ فلسطينية لا كبلد قائم بذاته. فالضفة الغربية كانت تابعة للضفة الشرقية، أي الأردن، وغزة سميت قطاعا وألحقت بمصر. وعلى مدى 20 عاما أهمل العرب، والفلسطينيون من ضمنهم، منح الأراضي صفة دولة حتى خسروها في حرب 1967، وتأخر العرب في الاعتراف بكيان سياسي يمثل الفلسطينيين إلى مؤتمر القمة العربية في الرباط عام 1974؛ حيث جرت معركة سياسية لإقناع الدول المعنية، مصر والأردن وسوريا، بالتنازل واعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

وكانت أهم خطوة نحو تثبيت الحق الفلسطيني، لا المصري أو الأردني، عندما قبل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات باتفاق أوسلو واشترط أن يكون مقره في فلسطين. وعلى الرغم من أنه لم يعترف به حاكما ولا الأراضي الفلسطينية دولة، فإنه تصرف رغما عنهم كرئيس والضفة وغزة كدولة.

نحن لا نلوم إسرائيل على ما فعلته وما تفعله ضد تطلعات الشعب الفلسطيني؛ لأنها دولة عدوة وهي ليست فقط ضد إعطاء مقاعد للفلسطينيين في الأمم المتحدة، بل ضد وجود الشعب الفلسطيني كله على أراضيه المحتلة. أيضا، لا أريد القول إن العرب كانوا دائما المعطل؛ لأنه لولا دعمهم للحق الفلسطيني لما كانت هناك قضية إلى اليوم. لكن بكل أسف، الجانب العربي - عن جهل منه، وبسبب استمرار صراعات المحاور داخله - أضعف الفلسطينيين سياسيا وعسكريا وفوت الفرص عليهم. اليوم، في سبيل الحصول على مقعد لفلسطين، تواجه السلطة الفلسطينية تهديدا صريحا بقطع الموارد المالية عنها من الدول المانحة، وتحديدا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. هذه الدول هي التي تدفع نحو 70% من ميزانية السلطة، ولو نفذت هذه الدول تهديدها، فسيجد الفلسطينيون أنفسهم غدا بلا مرتبات، والمؤسسات التعليمية والصحية بلا قدرة على التشغيل.

هل الدول العربية مستعدة لتعويضه وتلتزم بدفع المبلغ ثمنا لمعركة مقعد فلسطين؟ الحقائق عادة غائبة عن الأكثرية؛ فالذين نكيل لهم الذم صباح مساء في الواقع هم الذين كانوا يمولون الوجود الفلسطيني، والذين ينشدون أغاني البطولات لا يضحون بشيء، بل يستخدمون القضية لأغراضهم السياسية الأخرى، كما هو الحال مع سوريا اليوم.

[email protected]