دروس إرهاب 11 سبتمبر

TT

الصحافة العالمية ومراكز الأبحاث تنشر هذه الأيام دراسات، بمناسبة الذكرى العاشرة (غدا)، لهجمات الإرهاب التي نفذتها «القاعدة» ضد المدنيين في نيويورك وواشنطن.

سأتعمد التركيز على الدروس المستفادة بأمثلة تهم قراء «الشرق الأوسط» خاصة مع ما يبدو من عجز العرب والمسلمين عن الاستفادة من درس أهم حدث غير الخريطة الجيوبوليتيكية (السياغرافية) في الألفية الثالثة بعد الميلاد.

المخابرات وأجهزة الأمن الغربية، وفي مقدمتها البريطانية، مستمرة في المراجعة. واعترفت بخطأ التسرع في ردود الفعل، وتركيز التعامل مع التطرف الإسلامي على الناحية الأمنية على حساب الجانب الذهني والثقافي. ووضع المشتبه فيهم في غوانتانامو (مما أفرز معضلة قانونية بشأن محاكمة عادلة ورفض بلدانهم الأصلية استقبالهم) بدلا من مراقبتهم من بعيد واختراق شبكات الإرهاب.

وتصحيح الأخطاء مستمر. فالحكومة البريطانية قبل 5 سنوات منعت عبارة «الحرب على الإرهاب» من الأوراق الرسمية. وتابعت الصحافة تفاصيل أزمة رسومات الكاريكاتير الدنماركية بلا نشر الرسوم بوعي ذاتي، دون طلب أي طرف، ومن منطلق أن مهمتنا كصحافيين توصيل الأخبار وتحليلها بلا مواقف آيديولوجية، فقاومنا إلحاح منظمات حرية الرأي بضرورة التضامن مع حق الرسام في حرية التعبير بإعادة نشر الرسوم، وذلك مثالا لا حصرا.

والدعوة إلى تفهم المزيد من دروس 11 سبتمبر (أيلول) مستمرة لتجنب التصادم الحضاري ولعبور أي سوء تفاهم بين الثقافتين الغربية والإسلامية.

لكن يبدو أن غالبية المسلمين والعرب، لم يفكروا في الاستفادة من دروس أخطاء الواقعة والسنوات التي تلتها فحسب، بل يتوغلون في السير بعكس حركة التاريخ، ليغرقوا في رمال متحركة أشد بلاء من سوء الفهم الذي ملأ الهوة الثقافية بين الشرق والغرب بنيران الغضب قبل 10 سنوات.

مسلمو بريطانيا، كأقلية، بعضهم يتعمد استفزاز الأغلبية غير المسلمة في مناطق سكنية بمكبرات الصوت في المساجد. والبعض ينعزل في غيتو ثقافي عن مجتمع هاجروا إليه برغبتهم (رغم انحياز المسؤولين لهم على حساب السكان الأصليين، كفصل ممرضات لتعليقهم صليبا صغيرا، والتغاضي عن حجاب ممرضات مسلمات مخالف للائحة الملابس القصيرة لتجنب نقل العدوى). والبعض يجاهر - وآخرهم أكاديمي مسلم في الـ«بي بي سي» صباح الخميس - بالدعوة لتطبيق الشريعة كقانون صارم في بريطانيا. ولم يسأله المذيع الإنجليزي المهذب عن سبب هجرته إلى بلد يتهم أهلها بالفجور، من بلاد تطبق الشريعة؟

هذه الوقاحة الذهنية مزدوجة الضرر بالمسلمين. تقدم ذخيرة للمنظمات اليمينية التي تحشد الرأي العام للوقاية من سيطرة ثقافية «دخيلة» على الثقافة الإنجليزية. والدعوة نفسها تصور المسلمين كقوم ضعاف الإيمان ليس في قلوبهم القدرة على الالتزام بنصائح دينهم في الممارسة اليومية، فيحتاجون عصا الطاعة بقانون يجبرهم على أن يبدوا مسلمين.

أما الممارسات السياسية للحكومات، والصحافة العربية، فهي أسوأ حالا من تخلف كثير من مسلمي بريطانيا عن ركب الحضارة. فبدلا من الاعتراف بأن هناك خطأ تاريخيا أساسيا في السوفت وير software أو برمجة نظام تشغيل كومبيوتر العقل الجماعي من مناهج تعليم، وصحافة وأدوات تشكيل الرأي العام، والمعتقدات السائدة في البلدان التي جاءت منها عصابة 11 سبتمبر، من أجل إعادة برمجة نظام التشغيل، روجت الصحافة لتيارات سارت بالرأي العام قرونا إلى الوراء.

ولا يحتاج الأمر لجهابذة السيكولوجيا لإدراك خطأ نظام تشغيل عقول بالغين بلغت في ضعفها حد الرثاء المضحك. كيف يمكن لجهلاء - لم يخرجوا وراء جدران كتاتيب الطالبان الطينية - ولا يعرفون العربية، لغة القرآن وفلسفة الإسلام، إقناع خريج جامعة يتقن العربية كمحمد عطا، بتزعم عصابة لممارسة قتل جماعي لحسابهم؟

عطا، قبل أن يقود طائرة، تحمل أطنانا من الوقود القابل للالتهاب ليصطدم بها بأعلى مبني في نيويورك بسرعة 300 ميل في الساعة، حدد في وصيته تفاصيل غسل جثته وإعدادها للدفن، وعدم السماح لامرأة برؤيته عاريا!

ما هو نظام التعليم الذي شب فيه عقل رتب ذهنيا أولويات همومه بتجنب سخرية امرأة مما يعتبره نقصا في رجولته، مقتنعا بخروج جسمه سليما من الاصطدام ومن جحيم البرج المحترق؟

حكومة نظام الحزب الوطني المباركي لم تشكل لجنة من أخصائيي طب النفس والتعليم لإعداد دراسة مفصلة عن الحالة النفسية والذهنية لمواطنيهم ضمن عصابة 11 سبتمبر وإصلاح نظام التعليم حتى لا يفرخ أمثالهم. بل استغل النظام الحادثة ليبتز أميركا، لمزيد من دعم النظام، ماديا وبالسلاح للمضي في مخطط الديكتاتورية. دبلوماسيو النظام وخبراء أمنه ضخموا من خطر الإسلاميين والجماعة المحظورة (وهي جزء من النظام والوجه الآخر لعملة الوطني)، والتحجج بأن الديمقراطية والانتخابات الحرة ستقوي من الإسلامويين. رغم أن حركة 6 أبريل 2010 وثورة يناير فجرهما الليبراليون الوطنيون وليس الإسلاميون. وتحججت الأنظمة بأن حرية الصحافة والتعبير ستزيد من فرصة التيار الإسلاموي في ارتكاب مزيد من الهجمات الإرهابية. لكن رقابة النظام وسعت من حرية تعبير تيار آخر منع العقليات العربية والإسلامية من استيعاب درس 11 سبتمبر.

هناك تيار العمى الاختياري النافي للواقع denial؛ برامج تلفزيون ومقالات صحافة وندوات أقامها مثقفون، أنكرت وقوع الحادثة مدعية أن صور نشرات الأخبار صممتها كومبيوترات مؤثرات أفلام الخيال العلمي. تيار توأم قبل بوقوع الحادثة، متهما الـ«سي آي إيه» بتدبيرها، كي تقع حرب تدر الأرباح على مصانع السلاح، أو أنها من تدبير الموساد الإسرائيلي ودليلهم تغيب نصف عدد الموظفين اليهود عن مكاتبهم في مركز التجارة العالمي.

ورغم مصرع عشرات اليهود، فالمتغيبون كانوا الأكثر تدينا لأن 11 سبتمبر كان رأس السنة اليهودية Rosh Hashanah وهو أحد الأيام التي يتعبد فيها المتدينون. مروجو هذه الخرافة ثمرة نظام تعليم لم يدربهم على البحث عن المعرفة في الكتب وجاهلون بمناسبات ديانة سماوية هي الأقرب نصوصا للإسلام (في عهود وزراء معارف كهيكل باشا والهلالي باشا وطه حسين، كان حامل الشهادة الابتدائية يجيد الفرنسية والإنجليزية والبحث في المكتبات، وعارف بثقافات الأديان وعشرات الأعراق التي امتلأت بها مصر وإطار معلوماته العامة أفضل من خريج الجامعة في نظام 23 يوليو).

تيار آخر برر الإرهاب بانحياز أميركا لإسرائيل (وهل كانت إسرائيل قد ظهرت على الخريطة عندما وضع التنظيم السري للإخوان القنابل في دور السينما والملاهي واغتالوا القاضي الخازندار عندما حكم بإيداع مفجري القنابل السجن؟).

عشر سنوات منذ إرهاب 11 سبتمبر أضاعها العرب والمسلمون، في خرافات الجهل يرقصون على أنغام نظريات المؤامرة والتبرير بدلا من استيعاب الدرس وإصلاح خلل تسبب أصلا في وقوع جريمة كانوا الأكثر تضررا من نتائجها.