الحادي عشر من.. القلق!

TT

تحل ذكرى مرور عشر سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) على الولايات المتحدة الأميركية التي فتحت بابا ملتهبا في تأجيج الصراع بين العالم الإسلامي والغرب تحت مظلة ما بات يعرف لاحقا بالحرب على الإرهاب. وتأتي هذه المناسبة أشبه باحتفائية استهلاكية كبرى مثل أعياد الميلاد أو مواسم الصيف، فالكم المهول من الكتب والأفلام الوثائقية والحلقات الإخبارية والهدايا التذكارية المتعلقة بالمناسبة حتما ولد «صناعة» ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، وبات لها الكثير من المستفيدين منها. ولكن «ظاهريا» يبدو أن العالم الإسلامي أقنع نفسه بأن سبب الحرب على الغرب هو تنظيم القاعدة وقادته، وأن من أجج هذا الصراع أكثر هو بوش الابن وجماعة المحافظين الجدد التي حكمت معه، بينما الغرب من جهة أخرى أعلنها حربا مفتوحة بلا هدف ولا نتيجة واضحة.. هي حرب على هدف مجهول الهوية والملامح: الإرهاب.. والغاية التي أعلنت هي: القضاء على الأشرار.. جميعها كلمات رمادية تفتح المجال للتأويل، وبالتالي أيضا تفتح المجال للاستمرار في هذه الحرب وجلب المنافع الكثيرة من ورائها.

العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب في السنوات الطويلة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت علاقة نفاق؛ فالطرفان «يعلمان» تماما موقفهما من الآخر وقبلا به وسكتا عليه لسنوات طوال، فالغرب دوما ما كان يقنن بأفلامه وكتبه وسياساته ذكر أن المسلمين والعرب شعوب همجية وعدوانية وبدائية ومتخلفة ولا يمكن الوثوق بها، حتى حولت كل هذه الأفكار إلى ما يسمى بالفكرة النمطية التي رسخت في الأذهان، وكذلك المسلمون تعاملوا مع الغرب على أنهم شعوب مشكوك في نياتها وأنهم لا يمكن الائتمان منهم ولا بد من معاداتهم وبغضهم بكل الوسائل، ولكن طغى على السطح «براغماتية» مادية حكمتها الأهواء والمصالح و«كنست» كل هذه المشاعر الملغمة إلى موعد لاحق ينفجر في حينه، وقد كان.

واليوم ومع مرور رقم سحري آسر، وهو عشر سنوات على حادث محوري في العلاقات بين الشعوب وبعضها، هل تحسنت الأمور بين الغرب والمسلمين؟.. فتحت الحوارات وتم نبش قبور المواضيع الحرجة والأسباب المتعلقة ووضعت كل الأوراق على الطاولة فانكسر جليد الخوف والحرج، ولكن كل ذلك لم «يلغ» التطرف ولا التشدد ولا التعصب، فالآراء الدينية المتطرفة في العالم الإسلامي لا تزال بألف خير، والأمثلة لا تزال موجودة، ولكن العالم العربي يحاول الشارع الشاب فيه الباحث عن الحرية والكرامة أن يحجم دور التطرف فيه، ولكن صوت التطرف حريص على أن يخطف مشروع الربيع العربي من صانعيه ويركب موجة الاستغلال لذلك الحدث كما يتضح في أكثر من بلد عربي.

وفي الغرب صوت التطرف بألف خير، وتحديدا كما يتضح في مناظرة مرشحي الحزب الجمهوري الأميركي للرئاسة التي جرت أخيرا، فاستمعنا إلى آراء ميشيل باكمان وريك بيري ونوت غينغريتش، وهم جميعا محسوبون على اليمين المسيحي المتطرف والمتصهين، وهي آراء لا تبشر بخير وتعكس توجها متزايدا داخل الحزام الإنجيلي بأميركا «معقل الجنوب المحافظ» وأهم كتلة انتخابية، حيث كانت من أسباب فوز جورج بوش الابن بالانتخابات مرتين. وكذلك الأمر بالنسبة إلى أوروبا مع ظهور خلايا التطرف في «واحات» مثل الدول الإسكندنافية التي توجه غضبها وقلقها نحو الجاليات المسلمة كتعبير عن خوفها من فقدان الهوية والتراجع الاقتصادي وإلقاء اللوم على المسلمين المعاصرين وتحميلهم المسؤولية كاملة.

الحوار المطلوب بين الشرق والغرب لم ينقل إلى الآن بين الشعوب، ولا يزال بين النخبة الحاكمة والطبقات المؤثرة حوله، وهي مسألة يستغلها الإعلام بشكل «خطر» وغير سوي، وطبعا هذا سيؤثر بشكل عام على سوية مستقبل العلاقة بين الطرفين، ولقاؤنا قد يكون بعد عشر سنوات لمعرفة حجم التطور سلبا وإيجابا.

[email protected]