من بن لادن إلى هيلة

TT

اليوم، العالم مشغول بتذكر 10 سنوات مرت على أشهر حدث إرهابي في التاريخ المعاصر، هجمات 11 سبتمبر (أيلول) التي أسقطت ناطحتي سحاب ودمرت جزءا من البنتاغون. وفي هذا الأسبوع تمثل أول امرأة متهمة بالإرهاب أمام محكمة سعودية أيضا في الدائرة نفسها، «القاعدة» والإرهاب.

وهناك عشرات الدول منهمكة في ملاحقة «القاعدة» مثل أفغانستان، وباكستان، والجزائر، وإندونيسيا، وتركيا، وحتى في غزة التي تحكمها حركة حماس، التي اضطرت إلى هدم مسجد ابن تيمية على رؤوس المتحصنين فيه. عمليا «القاعدة» في كل مكان بعد 10 سنوات من أكبر حرب على منظمة إرهابية. فالعالم مليء بمثل «القاعدة»: بادر ماينهوف، الألوية الحمراء، الجيش الأحمر، أبو نضال، لكنها جميعا لم تصل إلى ما بلغته «القاعدة» التي اتسعت فكرا وضاقت أرضا.

هيلة القصيرة، امرأة في منتصف الأربعينات من عمرها، تقول لائحة الاتهام ضدها إنها عضو في تنظيم القاعدة، وتتهمها بأنها آوت مطلوبين، وقامت بتجنيد شباب للعمل لـ«القاعدة»، أسهمت في تمويل أعمال إرهابية، ووجدت بحوزتها أسلحة، وعزمت على الخروج من السعودية للقتال، أو الجهاد، وساعدت آخرين على الخروج غير القانوني.

سيرة السيدة هيلة تكفي لفهم عمق المشكلة التي أصابت المجتمعات الإسلامية من فكر التطرف الذي أنتج أولا بن لادن قبل 20 سنة، وأنتج هيلة خلال 10 سنوات تلت هجمات سبتمبر. «القاعدة» ليست إلا نتيجة للفكر المتطرف، الذي لا يعدم من أعذار للبقاء والاستمرار. كانت إحدى ذرائعه، عندما نفذ عملياته الأولى في السعودية في أواخر التسعينات، أنه يريد إخراج القوات الأميركية من السعودية، وبعد أن أنتهى الوجود العسكري الأميركي في 2003 ازدادت وتيرة العمليات الإرهابية ولم تتوقف. وهذا حال عدد من الدول، معظمها إسلامية، من جانب يتم فيها نشر الفكر القاعدي، ومن جانب آخر تتعرض لهجوم مستمر يستهدف مؤسسات ومساجد وأسواقا ومسؤولين وعامة.

أن يبلغ الفكر السياسي المتطرف حد تجنيد امرأة سعودية في منتصف العمر واستخدامها وإقناعها بالسفر للانضمام إلى تنظيم القاعدة في العراق، يكشف عن أنه متغلغل في أعمق أعماق المجتمعات الإسلامية. وستتطلب محاربة التطرف الديني السياسي أكثر من كل ما نسمع ونقرأ عنه. هذا الفكر يدار من قبل جماعات لها أهداف سياسية لا تخفيها، استطاعت جر فلول متنوعة من المثقفين الذين ساروا يبررون أو يعتذرون لـ«القاعدة» أو يشنون حملات على خصومها. وصدق هؤلاء أن «القاعدة» مشكلة أميركية أو غربية، في حين أنه على الرغم من أحداث سبتمبر المروعة، فإن ما فعلته «القاعدة» - الفكر والتنظيم والجماعات المنتسبة لها عن بعد - في المسلمين هو أكثر وأقبح مئات المرات.

استهداف أميركا جزء ثانوي من القصة، وعليكم أن تتذكروا أن «القاعدة» استهدفت في البداية مصر والسعودية، ثم انتشرت حرائقها إلى ما وراء إندونيسيا. ويهمني أن أذكركم أن «القاعدة» أفلحت في خلق هدف تريد التكسب في العالم الإسلامي من خلفه؛ محاربة الغرب. وانضم إليها، من دون وعي، عشرات الآلاف من المثقفين والمتعلمين الذين قاموا بترديد دعايتها وساندوها فكريا حتى صارت غولا مخيفا. فإذا كان الأميركيون يتذكرون 10 سنين على مأساتهم، فإن علينا أن نتذكر أكثر من 20 عاما على هجمات «القاعدة» على مجتمعنا وأبنائنا ومدننا وقرانا ورجالنا ونسائنا. [email protected]