أما لهذا الحمق من نهاية؟

TT

شاهدنا مؤخرا صور الثوار الليبيين يطيحون بتمثال القذافي ويرفسونه بأحذيتهم ويدوسون على صوره. ذكرني المشهد تماما بما جرى لتمثال صدام حسين أيضا يوم أطاحوا به من عليائه وكسروه ثم ضربوا صورته بأحذيتهم. المشهدان أهون بكثير في الواقع مما جرى لزعيم عربي آخر، الأمير عبد الإله الوصي على العرش العراقي. كان الرجل عاقلا فلم يعمل لنفسه تمثالا ليحطموه ويضربوه بأحذيتهم. اكتفوا بأن قتلوه وسحلوا جثته في الشوارع ومزقوها إربا إربا.

وهل يتعظون؟.. كلا. ما زال أكثرهم يقيمون تماثيلهم في الطرقات بدلا من إقامتها في قلوب الناس. لا حد لحماقاتهم! وكلها تذكرني بحكاية عبد الكريم قاسم في العراق.

ضاق أحد الملياردرية الأميركان بما وجده في سلوك زعماء العالم وحماقاتهم. فقرر من باب السخرية بهم أن يعطي جائزة بمائة مليون دولار لأحمق سياسي في العالم. مات الرجل وتولى أحد المحامين تنفيذ وصيته. راح يدور العالم شرقا وغربا يبحث عن أحمق سياسي. انتهى به المطاف في العراق. رأى عبد الكريم قاسم فقرأ تاريخ حياته وما حصل في بلاده. ذهب لزيارته واحتفى به الزعيم الأوحد. قال له جئتك لأبلغك بأنني قررت منح هذه الجائزة بمائة مليون دولار لسيادتكم. فبعد أن سمعت بما جرى لسلفكم وكيف قتلوه وسحلوا جثته في الشوارع ثم وافقت أنت على تسلم الحكم بعده في هذا البلد رأيت أنك تستحق هذه الجائزة كأحمق سياسي في العالم!

وبالطبع نعرف ما حصل فعلا للزعيم الأوحد يوم قتلوه شر قتلة بعد أشهر قليلة. ولكن بقي موضوع الجائزة قائما. ما الذي حصل للمائة مليون دولار؟ طبعا «باكوها» الأفاضل. وهذه كلمة أجد من واجبي تفسيرها وتعليمها للعرب الآخرين: باك يبوك بوكا. تعني سرق يسرق سرقا. فشيوع السرقات في العراق مؤخرا تطلب وضع كلمة جديدة تضاف إلى التراث اللغوي العربي تصف بالضبط السرقات التي يقوم بها المسؤولون على وجه التحديد. أشرح ذلك لأن القارئ الكريم قد يجد نفسه بين جمع من العراقيين فتسمعهم دون أن تفهمهم يتكلمون باستمرار ويرددون: باكوها.. بوكة.. بواكين.. محترفين بالبوك البراني.. ببوكات مبيوكة.. إلخ. هذه هي لغة الشعب العراقي الآن.

بيد أنني لا أجد مظهرا من مظاهر حماقات الحكام المغتصبين كعجزهم عن الاتعاظ مما جرى لسلفهم. يطلبون منا دراسة التاريخ العربي. ما الذي تعلمناه واتعظنا منه؟ ينفقون المليارات على الأسلحة والمخابرات والحرس الجمهوري الخاص. هل حمى ذلك صدام حسين من السقوط وضرب تصاويره بالكندرة. هل حمى معمر القذافي؟ كل ما كانوا في حاجة إليه هو أن يقرأوا قول سفير الروم لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما وجده سفير الروم نائما في العراء دون حرس: عدلت فأمنت فنمت. كل ما يحتاج إليه الحاكم للبقاء واتقاء غضب شعبه هو أن يسوسهم بالعدل ولا يبوك أموالهم.