القلب فرمل.. لكنه بنتشر

TT

من النادر في هذه الأيام أن أحضر مجلسا سعوديا ولا يخاض فيه حديث (سواقة المرأة للسيارة) - لاحظوا للسيارة وليس للطائرة أو البسكليت أو الرول سكيتنغ. وقبل أيام كنت حاضرا أحد هذه المجالس، وكان من ضمن الحضور شيخ متعصب ومنغلق يرى أن ذلك لو حصل فستفتح علينا طاقة جهنم، على حد تعبيره.

حاولت في البداية أن أجادله بالتي هي أقوم، ولكنني عندما شاهدته يجلس لي على (ركبة ونص) ويبدأ بتشمير أكمامه، آثرت السلامة مع الصمت + ابتسامة ملائكية.

وبعدها بيوم أو يومين لا أذكر، فتحت التلفزيون على قناة «ناشيونال جيوغرافيك»، وإذا بها تتحدث عن السيارة التي تسوق نفسها بنفسها، وسعدت بذلك أيما سعادة، معتقدا أنها سوف تحل تلك المشكلة المستعصية والمضحكة عن جواز قيادة المرأة من عدم جوازها.

وسألت عن تليفون ذلك الشيخ المحتد، واتصلت به وقلت له بعد السلام عليه: لقد حلت المشكلة بحول الله ثم بحول العلم يا شيخ.

سألني: عن أي مشكلة أنت تتحدث؟!، قلت: عن قيادة المرأة للسيارة، فارتفعت نبرة صوته وقال لي بصلف: رجعنا، أما كفاك ما أفحمتك به تلك الليلة؟!

قلت له: لا، لا أبدا، فكلامك كله على عيني وعلى رأسي، والموضوع وما فيه أن المرأة لن تسوق (البتة)، وكل ما هنالك أنها تجلس وحدها في السيارة سواء في الأمام أو الخلف، وما عليها إلا أن تحدد على الخريطة الوجهة التي تريدها، والسيارة بعدها هي التي تتولى ذلك.

أجابني بدهشة: عجيب والله (!!).

قلت له إن الاختبارات عليها قلصت الحوادث إلى (الصفر)، ولقد أجروا في أميركا مسابقة سيارات بدون سائقين لأول مرة، ولم تنقلب أو تصطدم سيارة بسيارة أو حتى تخرج عن مسارها ولا بمتر واحد، وقد رصدوا لذلك جوائز تجاوزت 3 ملايين دولار.

وسيارات المستقبل ترى في الظلام وتتحكم بالسرعة ولديها ما لا يقل عن 250 مجسا.

وما إن انتهيت من الكلام وبلعت ريقي حتى تفاجأت بذلك الشيخ وهو يقول لي: حتى هذه السيارة حرام على المرأة أن تكون فيها وحدها، فمن يدرينا أين تذهب بها؟!

أصبت بإحباط، وأغلقت الخط، وأخذت أحلم بقيادة المرأة للسيارة، ونذرت على نفسي لو أن ذلك حصل في حياتي، فسوف آتي بامرأة متدربة لكي تكون سائقة خاصة لي، على شرط أن تعرف القوانين، وتعرف كيف (تغمز) بالإشارة ذات اليمين وذات الشمال، وتعرف كيف تولع لمبة (الاصطباب) الخلفية الحمراء في الوقت المناسب، وكيف تتلافى مطبات الشوارع تأسيا بمطربة لبنانية منقرضة يقال لها (جاكلين) عندما حضرت لها حفلة في أحد مرابع بيروت الليلية، ولا أنسى كلمات أغنيتها البليغة عندما قالت:

القلب فرمل، لكنه بنتشر

لأنه خايف من المطب

وكنت من أول المصفقين، وزدت عليهم بأن صحت بها قائلا: عيديها، عيديها الله يرضى عليك.

فعوجت لي وسطها قائلة: تكرم عينك، وأعادتها.

[email protected]