لماذا قبل يده؟

TT

المؤسف أنه ليس صحيحا على الإطلاق أن جميع الأفارقة الذين ينتقم منهم الليبيون الغاضبون اليوم هم من المرتزقة الذين حاربوا إلى جانب القذافي. هذه انتقامات باردة من سياسة طغيانية رعناء مارسها ضد شعبه. لقد شرع أبواب ليبيا، عمدا وبلا حساب، للهجرة الأفريقية. وأدى ذلك إلى حساسيات مرعبة وإلى قيام أحياء ومدن صغيرة مزدحمة بالفقراء والعاطلين وأحيانا بمرتكبي الجرائم. ولم يكن أحد يجرؤ على مطالبته بوضع حد للكارثة الاجتماعية المزدوجة ومدى آثارها المستقبلية التي نسمع عنها الآن.

جلس مرة يقهقه كالعادة وهو يقول في خيمته لمندوب «الجزيرة» السابق سامي حداد: غدا يغرقون أوروبا! والواقع أنهم كانوا يغرقون ليبيا. وقد سخر العالم من مشهد سيلفيو برلسكوني وهو يقبل يده. ولم ينتبه أحد إلى أن الرجل فقد نفسه فرحا عندما وافق ملك ملوك أفريقيا وملحقاتها على ضبط حركة الهجرة الجماعية إلى إيطاليا. هذا هو سر القبلة الغبية على يد الرجل الذي قهقه على التلفزيون وهو يقول غدا تغرق بلادهم بالأفارقة. وعندما تحدث نجله الدكتور عنهم قال «عندنا مواطنون سود». وكان يقصد سمر أهل فزان، التي كان الملك إدريس يعد المشاريع لتحقيق دمجها الكلي والراقي في أسرة الوحدة الليبية.

محزن أن يدفع الأفارقة الثمن. وسوف تضيع مأساتهم وسط الأثمان الأخرى التي تدفع والتي دفعت من موت وقتل وتشريد ومنافٍ وعذابات. هذه هي نتائج إلغاء الدولة وترك القائد يدعو شعبه، في خطاب علني، للهجرة إلى السودان، لأن فيه مياها وأعمالا! من يعتقد أنني أخرف فليعد إلى خطب القائد الملهم الذي خاطب الرؤساء في قمة دمشق قائلا: «بكرا الدور جايي عليكم كلكم يا إخوان»، ويقصد دور صدام حسين.

قالها وتقهقه كالعادة. لم يدر أن هذا الدور يأتي على جميع الطغاة. ظن أن الدمية ستظل لعبته إلى الأبد. لم يقرأ من التاريخ إلا ما يناسبه. لم يرَ في الحاضر إلا ما يسليه. لم يمنح السلطة إلا للقادرين على مطاردة ضحاياه.

فتح الأبواب أمام مئات آلاف الأفارقة دون أن يهتم ما إذا كانوا سيلقون عملا أو رغيفا. أو أنهم سوف ينافسون المواطن على العمل والرغيف. وأن ذلك سوف يؤدي في النهاية إلى مآسٍ ومذابح وأحقاد، على مدى أفريقيا وليس على مدى ليبيا وحدها. مسكين برلسكوني، قبَّل يده.