لماذا فشل ديك تشيني في فهم تركيا؟

TT

من كان يتخيل أن تركيا، يوما ما، سوف تعلق كافة العلاقات السياسية والعسكرية مع إسرائيل، والأهم من ذلك أنها سوف توقع على اتفاق دفاع مشترك مع مصر؟ كان شيئا لا يصدق على الإطلاق، ولا يمكن التنبؤ به، ولكنه في الوقت الحاضر صار جزءا من الواقع الراهن.

ويبدو أن أردوغان، باعتباره صانع سياسة ماهرا جدا، يريد أن يظهر أداء سياسيا بالغ الأهمية. ويعد هذا الأداء السياسي المرادف الآخر للثقة السياسية. فهو يريد أن يقتل ثلاثة عصافير أو أكثر بحجر واحد. وفي الوقت الذي تواجه فيه العلاقات التركية - الإسرائيلية وقتا عصيبا جدا، خلال هذه الأيام، ينظم أردوغان زيارة لمصر اليوم (12 سبتمبر / أيلول الحالي). وسترسل زيارة أردوغان لمصر في هذا التوقيت الحاسم - وسط هذا التوتر بين إسرائيل وتركيا - رسائل كثيرة، ليس فقط للجانب الإسرائيلي، ولكن أيضا لأميركا والغرب على حد سواء. وبالإضافة إلى ذلك ستبعث زيارته برسائل إلى حكام الدول الإسلامية والأمم المسلمة.

يبدو جليا، أن الرسالة القوية ستكون من نصيب الولايات المتحدة وإسرائيل. واسمحوا لي في هذا الشأن أن أذكر بعض الأدلة الفريدة من موقع «ويكيليكس». حيث تظهر هذه الأدلة الاستراتيجية النظرة الأميركية - الإسرائيلية تجاه العالم المسلم، بما في ذلك تركيا ومصر. وجوهر هذه الأدلة هو وجهة نظر داغان، المدير السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي، حول المنطقة والدول الإسلامية، بما في ذلك تركيا ومصر. تلك الأدلة قام بتصنيفها السفير ريتشارد إتش جونز، حيث نجد أنفسنا كالعادة أمام الغطرسة الإسرائيلية الشهيرة تجاه الدول العربية، منها على سبيل المثال، وجهة نظره تجاه شراء واستخدام الأسلحة التي تبيعها الولايات المتحدة للدول العربية، حيث قال: «بالإشارة إلى حوار أمن الخليج، حذر داغان من أن هذه الدول لن تكون قادرة على التعامل مع كمية الأسلحة التي تنوي الحصول عليها (فهم لا يستخدمون الأسلحة على نحو فعال)».

من ناحية أخرى، كانت نظرية داغان عن تركيا مثيرة للدهشة إلى حد بعيد، استنادا إلى ما ورد في تقرير السفير الأميركي، فقال: «علاوة على ذلك، فهي تنظر إلى تركيا، وترى أن الإسلاميين يكتسبون زخما هناك. والسؤال الذي سأله هو: إلى أي مدى سيظل الجيش التركي - الذي يرى نفسه أنه المدافع عن هوية تركيا العلمانية – صامتا؟».

وهذا هو الوجه الحقيقي لحكومة إسرائيل التي ترغب أو تتمنى حدوث انقلاب عسكري في تركيا!

في الوقت الراهن، تغير العالم بحلول الربيع العربي، وأصبح لتركيا توجه ورؤية جديدان. حيث يبدو أننا أمام رد فعل قوي جدا ومعقول، في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية. مما سيجعل من تركيا وأردوغان مهندسي هذا الفصل الجديد في تاريخ الشرق الأوسط.

نتيجة لذلك، أعتقد أن زيارة أردوغان إلى مصر، ستكون نقطة تحول في تحسين وتعزيز العلاقة الثنائية والمتعددة الأطراف بين الدول الإسلامية. حيث أنهت تركيا اتفاقيتها العسكرية مع إسرائيل، بطرد السفير الإسرائيلي وجميع الدبلوماسيين الإسرائيليين من تركيا.

ويوم الثلاثاء، 6 سبتمبر، كرر أردوغان موقفه من العلاقة بين تركيا وإسرائيل. حيث يقول في المقابلة التي نشرت في صحيفة «حرييت» التركية: «ستنفذ تركيا المزيد من العقوبات ضد إسرائيل.. وسوف تُرى سفننا بشكل متكرر في تلك المياه»، في إشارة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.

وقال أردوغان إن تركيا ستعلق تماما رابطة صناعة الدفاع مع إسرائيل، بعد خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. حيث قال أردوغان للصحافيين في أنقرة «سوف نقوم بتعليق كامل للعلاقات التجارية، والعلاقات العسكرية والعلاقات المتعلقة بصناعة الدفاع. وسيعقب هذه العملية اتخاذ تدابير مختلفة».

وقد بدأت تركيا في فرض عقوبات على إسرائيل بعد رفضها الاعتذار عن الغارة الخرقاء التي قامت بها على أسطول الحرية المتجه إلى قطاع غزة، والتي أسفرت عن مقتل تسعة أتراك في العام الماضي.

وقد أعربت إسرائيل عن أسفها للخسائر التي حدثت في الأرواح.

ووصف أردوغان الهجوم بأنه «وحشي» واتهم إسرائيل بأنها تتصرف مثل «طفل مدلل» في المنطقة. كما قال أردوغان للصحافيين إنه يعتزم زيارة غزة. وإضافة إلى ذلك، يتوقع أن يقوم أردوغان بتوقيع اتفاق تعاون عسكري مع المسؤولين المصريين، فضلا عن اتفاقات أخرى متعلقة بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين خلال زيارته لمصر. حيث يتوقع أن يجتمع بعصام شرف، ومحمد حسين طنطاوي، لمناقشة العلاقات بين البلدين، في حين من المتوقع أن يكون من ضمن جدول الأعمال مناقشة تعزيز التعاون العسكري بين البلدين.

وستتوقف زيارة أردوغان المتوقعة لغزة أيضا على موافقة مصر، وفي هذه الحالة سيكون رئيس الوزراء التركي أول زعيم دولة يدخل قطاع غزة عبر معبر رفح.

وفي الوقت نفسه، كان نبيل شعث، المبعوث الخاص للرئيس الفلسطيني محمود عباس، في أنقرة يوم الاثنين 5 سبتمبر، لإجراء محادثات مع المسؤولين في تركيا.

وكان أردوغان قد أعرب في البداية عن نيته زيارة قطاع غزة بعد زيارة لمصر في أوائل يوليو (تموز)، مشيرا في نفس الوقت إلى أنه لا ينوي تصعيد التوتر إثر العقبات الإسرائيلية التي حالت دون دخوله إلى قطاع غزة.

وجاء التقدم الأخير في دعم تركيا لرفع الحصار المفروض على قطاع غزة على خلفية رفض إسرائيل الالتفات إلى دعوة تركيا لاتخاذ إجراء ضد الغارة الإسرائيلية على أسطول الإغاثة وحصار غزة. وأشارت تركيا أيضا إلى أنها ستنقل حصار غزة إلى المحاكم الدولية للفت انتباه المجتمع الدولي لانتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث هناك.

وسيتم دخول قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي في مصر، التي تحافظ على وضع المعبر تحت رقابة صارمة، وفقا لتعاونها مع إسرائيل بشأن هذه القضية.

ويظل موقف مصر من الدخول المتوقع مبهما، ولكن علاقتها مع إسرائيل قد ساءت منذ أن قتل الجنود الإسرائيليون عددا من المصريين، بما في ذلك عدد من قوات الأمن المصرية، على مقربة من الحدود المشتركة بينهما. وقد أثارت عمليات القتل تلك خلافا دبلوماسيا بين الحليفين الاستراتيجيين.

ويبدو لي أننا نشهد شرق أوسط جديدا، ولكنها ليس شرق أوسط مبنيا على هوى أميركا وإسرائيل. ولذا فقد يتوجب على نتنياهو أن يكتب فصلا جديدا من كتابه «السلام الدائم». ففي هذا العصر الجديد تعلمنا أن عملية السلام لا تعني - كما يقول روبرت فيسك - المضي قدما. ومن الممكن أن تلعب تركيا دورا تاريخيا. فهذه هي تركيا الجديدة، التي اعترف بها ديك تشيني في كتابه «في زمني». حيث كتب تشيني قائلا «أعتقد أننا فشلنا في فهم حجم التحول الذي يجري في تركيا. حيث حجب عنا دلالة تولي حكومة إسلامية السلطة في بلد يعد من أهم حلفاء أميركا في حلف شمال الأطلسي بسبب التحديات الكثيرة الأخرى التي واجهناها. واليوم، يبدو أن تركيا في منتصف مرحلة انتقالية خطرة من حليف رئيسي في حلف شمال الأطلسي إلى دولة إسلامية الحكم». («في زمني» - ص 379).

ويبدو لي أن ديك تشيني، وجميع المحافظين الجدد يركزون اهتمامهم على زيارة أردوغان إلى القاهرة وغزة.