السعوديون بعد عقد من 9/11

TT

ما بين إصرار أميركي على تصويرها هولوكوست مقدسة، واستمرار آخرين في التمسك بنظرية المؤامرة، عاش العالم عقدا مفزعا منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، شهد العالم خلاله حربين في أفغانستان والعراق، ومئات الألوف من القتلى والجرحى، وخسائر تقدر بـ3 تريليونات دولار لحقت بالاقتصاد الأميركي، وأثرت بدورها على الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من أن الشارع السعودي يعد من ضمن الأكثر تأثرا بانعكاس هذه الهجمات، باعتبار أن 15 من المتهمين بتنفيذها من المواطنين السعوديين، فإن خسائره كانت هي الأقل، نسبيا، إن لم تتحول إلى مكتسبات في وقتنا الحاضر.

المجتمع السعودي احتاج شهورا طويلة ليستوعب حجم الكارثة المتهم بها مجموعة من مواطنيه، ولم تنفع اعترافات المنفذين أنفسهم في إخراج البعض من تابوه نظرية المؤامرة. كانت التوقعات أن تكون مشاركة الخمسة عشر إرهابيا دافعا لصدمة تصيب المجتمع في مقتل، خاصة في ظل العدوانية الواضحة للعيان التي أبدتها دول كثيرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والتي بلغت حدا حرضت فيه جهات أميركية على قصف مكة المكرمة!

غير أن المراقب، وبنظرة سريعة للشارع السعودي بعد 10 سنوات، يستطيع بسهولة ملاحظة التحولات الإيجابية التي سجلها السعوديون في تعاطيهم مع هذا الحدث. ومن غير المبالغة القول إن المجتمع خرج أكثر قوة مما كان عليه قبل 9/11. فهناك، مثلا، من كان يراهن على تأثير متنام للمتطرفين، وهذا أمر سقط بسقوط متزعمي هذا الفكر، عبر الضربات المتتالية التي وجهتها وزارة الداخلية لخلايا تنظيم القاعدة داخل البلاد، وأيضا بالتعاون مع دول أخرى في منع هجمات إرهابية كبرى في عدد من عواصم العالم. ولعل أكبر مؤشر على تعافي المجتمع السعودي من تأثيرات 9/11 الإرهابية، هو عدم انغلاق أفراده على أنفسهم بعد تلك العدوانية غير المبررة من جهات رسمية وغير رسمية في الولايات المتحدة على وجه الخصوص، فـ37 في المائة من المبتعثين السعوديين في الخارج، والبالغ عددهم 120 ألف طالب وطالبة، يدرسون حاليا في الجامعات الأميركية، وهؤلاء إثبات فعلي على أن المجتمع قادر على أن يغير الصورة النمطية السلبية المرسومة عنه، وعدم ترك ذلك للجهات الرسمية فقط، وهو ما تلافاه السعوديون عندما انتشر أكثر من 40 ألف طالب وطالبة في الولايات الأميركية.. هؤلاء وجهوا رسالة واضحة وقصيرة لنظرائهم الأميركيين: ليس ذنب 18 مليون سعودي أن بن لادن كان سعوديا.

ولا يمكن هنا لنا أن نسجل نجاح المجتمع السعودي في تخطي عقبة الكارثة «السبتمبرية» الشهيرة، إذا صح التعبير، من دون الإشارة إلى الجهود الرسمية التي سجلت تفوقا ملحوظا، سواء بإنشاء جهاز متخصص في مكافحة تمويل الإرهاب عام 2001، أو إقرار قانون يؤطر مكافحة غسل الأموال، ثم تحول السعودية لعضو فاعل في اللجنة الدولية لمكافحة غسل الأموال، هذا بخلاف الحملة التي شنتها السلطات لتجفيف منابع تمويل «القاعدة» في الخارج والداخل، عبر فرض نظام قوي على البنوك المحلية، حتى إن الولايات المتحدة ذاتها أصبحت هي التي تشيد بتجربة الرياض في مكافحة الإرهاب، ناهيك عن التجربة المتميزة في برنامج المناصحة الشهير، الذي يراجع أفكار التائبين من تنظيم القاعدة بالحجة والبرهان.

9/11 كان الحدث الأشد قسوة على المجتمع السعودي في تاريخه، لا لشيء إلا لأن العالم أخذ السعوديين بجريرة 15 إرهابيا لا يمثلون إلا أنفسهم. ومع ذلك لم ينكفئ الشارع السعودي على نفسه، ولم تأخذه العزة بالإثم أو كان رد فعله عنيفا، وهذا ديدن المجتمعات التي تستفيد من الكوارث لصالحها، لا لضرب مصالحها.