الدورة الـ66 للأمم المتحدة وهموم العرب

TT

في يوم الذي يصادف الثلاثاء الثالث من شهر سبتمبر (أيلول)، تنطلق كل عام المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتمتد لمدة عشرة أيام على مستوى رؤساء الدول أو من يمثلهم من رؤساء وزارات أو وزراء خارجية. وهي فترة زمنية تبدو شديدة الرمزية والدلالة، ليس فقط لأهميتها للمشتغلين في السياسة والدبلوماسية المتعددة الأطراف، لكن كونها تجسد الجهاز التمثيلي الرئيسي للتداول وتقرير السياسة العامة في الأمم المتحدة بكل أجهزتها. وهي تتألف من جميع أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 192 دولة، وأضيفت إليها هذا العام دولة الجنوب السوداني. وتشكل الجمعية العامة واللجان الست التابعة لها منتدى فريدا متعدد الأطراف، تناقش فيه جميع القضايا الدولية المشمولة في ميثاق الأمم المتحدة. وعلى الرغم من النفوذ الطاغي لمجلس الأمن نظرا للصلاحيات الواسعة الممنوحة له، فإن الجمعية العامة تمتلك ثقلا معنويا منقطع النظير من جهة تأثيرها على الرأي العام العالمي. ومن أبرز مهامها: اعتماد ميزانية الأمم المتحدة، قبول الأعضاء الجدد، تعيين الأمين العام وأعضاء الأجهزة الأخرى. كما يجوز للجمعية العامة عملا بقرارها رقم 377 الصادر عام 1950 أن تتخذ إجراءات إذا لم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم، في حال إذا بدا أن هناك عملا من أعمال العدوان.

وطالما شهدت أروقة القاعة المرمرية الخضراء مواقف تندر لها رؤساء الوفود، أبرزها على الإطلاق كلمة الزعيم السوفياتي خروتشوف في الدورة الـ13 عام 1960 حين لوح بحذائه مهددا ما سماه الإمبريالية العالمية! إلا أن كلمة العقيد القذافي في الدورة الـ64 عام 2009 التي امتدت لعدة ساعات وقام خلالها بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة تعد الأكثر مدعاة للسخرية.

ودورة هذا العام التي ستبدأ يوم الثلاثاء 20 سبتمبر الحالي ستكون متميزة بالنسبة للعرب، فرئيسها عربي، وهو القطري ناصر عبد العزيز النصر، خلفا للسويسري جوزيف دايس. والسفير ناصر مشهود له بالكفاءة في أروقة الأمم المتحدة، وهو يشغل منصب المندوب الدائم لقطر منذ 1998. وهو الذي أعلن فور فوزه مرشحا للمجموعة الإقليمية (آسيا) في شهر أبريل (نيسان) الماضي أنه سيعمل «كجسر بين الدول المتقدمة والدول النامية والدول الأقل نموا». أما طرح العضوية الكاملة والاعتراف بالدولة الفلسطينية فسيكون مسألة بالغة الحساسية هذا العام إذا ما تمسك الرئيس عباس، الذي سيرأس وفد بلاده، بالمضي قدما لتحقيق هذا الهدف رغم اعتراض إسرائيل المدعومة أميركيّا.

الأحداث في سوريا لا يمكن تغييبها، وسيخصص لها جزء وافر من المناقشات، حتى وإن لم تتخذ الطابع الرسمي. ليبيا أيضا ستكون حاضرة بسؤال مُلحّ عن مصيرها بعد القذافي وبتمثيلها الجديد عبر المجلس الوطني الانتقالي لشغل مقعدها في الأمم المتحدة كما حدث مؤخرا في الجامعة العربية. الهدوء في اليمن واقتراب تسوية تلوح في الأفق بين الرئيس صالح وتكتل معارضيه في أحزاب اللقاء المشترك وقيادات الانتفاضة الشبابية، ربما جنب اليمن انتقادات المتحدثين في الجمعية العامة ومنحها مهلة لإنجاز التسوية المنشودة. المحصلة أن الأسرة الدولية لم تعد تقبل بقمع المتظاهرين سلميا.

أزمات المنطقة العربية المتراكمة على منصة الجمعية العامة تتطلب لاعبا مؤهلا وذا شرعية من نفس المنطقة للمساعدة في حلها. الدور التركي الصاعد الذي ما برح يرفع شعار «تصفير المشكلات»، رغم كفاءته، تنقصه الشرعية. هنالك إيران المثابرة على دور في المنطقة بصيغة طائفية، تفتقد الكفاءة والشريعة في الآن نفسه. مصر مكبلة بهموم الداخل. إذن هي فقط المملكة العربية السعودية بقيادتها الحكيمة وإرثها المثقل بالمصداقية ودبلوماسيتها المتمرسة، ستكون محط الأنظار خلال انعقاد هذه الدورة الاستثنائية بامتياز بالنسبة للعرب. وسيكون رئيس وفد المملكة لهذا العام الأمير سعود الفيصل - عميد وزراء الخارجية في العالم - قادرا كما هي عادته لتقديم أفكار نيرة تقود في نهاية المطاف إلى مقاربات خلاقة تخفف من التوتر في منطقة بالغة الحساسية، وتدهش الحضور بواقعيتها.

* كاتب سعودي