3 تحديات تحرج إسرائيل

TT

تواجه إسرائيل ثلاثة تحديات غير عادية، تحديات فلسطينية وتركية ومصرية، وهي كلها ذات أبعاد دولية. وإذا كانت العادة قد جرت بحيث تكون إسرائيل هي الطرف الأقوى في التحديات، فإن إسرائيل تظهر في التحديات الراهنة وكأنها الطرف الأضعف، وحتى حين تلوح إسرائيل بقوتها العسكرية، وعلى غرار قول بنيامين نتنياهو إن سلاح البحرية في إسرائيل هو من أقوى الأسلحة لديها، فإن هذا التلويح يرتفع في وجه تركيا التي كانت أهم حلفاء إسرائيل في المنطقة، ويبرز رفعه إشارة إلى تراجع العلاقة مع هذا الحليف الذي يتحول بالتدريج إلى خصم.

إذا بدأنا بالتحدي الفلسطيني الذي يواجه إسرائيل، نجد أنه تحد سياسي بالدرجة الأولى، ميدانه الأمم المتحدة وقراراتها، يذهب إليه الفلسطينيون عزلا من السلاح، ويواجهون تهديد استعمال الولايات المتحدة للفيتو دعما لإسرائيل، ومع ذلك تبدو إسرائيل خائفة، خائفة سياسيا، وهو أمر طبيعي، وخائفة عسكريا، وهو أمر غير طبيعي.

تجاه المخاوف السياسية، يجري القول بأن حصول الفلسطينيين على قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطينية، سيجر مخاطر على إسرائيل، ومن هذه المخاطر أن إسرائيل ستصبح عرضة للعقوبات، بينما يبرع القانونيون في ذكر مخاطر أخرى، ولكنها كلها مجرد تغطية للسبب الحقيقي للخوف الإسرائيلي، وجوهر هذا الخوف أن الأمم المتحدة ستصبح طرفا أساسيا في بحث موضوع الصراع العربي - الإسرائيلي، وهو أمر عملت إسرائيل منذ عام احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة إلى تجنبه بالكامل. وحين بدأت المفاوضات بعد اتفاق أوسلو تشددت إسرائيل في التأكيد على ثنائية المفاوضات من دون أي وسيط آخر، فإسرائيل تريد شيئا واحدا فقط: التعامل مع الطرف الفلسطيني بوجود طرف واحد وحيد هو الولايات المتحدة، ليس لأن واشنطن تدعم إسرائيل بالكامل، وتساعدها في فرض وجهات نظرها، بل لأن وجود أطراف أخرى، حتى لو كانت من الأطراف المؤيدة لإسرائيل، من شأنه أن يستدعي إلى طاولة المفاوضات كل القرارات الدولية التي تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما تعمل إسرائيل ضده بالمطلق، والولايات المتحدة فقط هي المستعدة دائما لأن تعيق دخول القرارات الدولية، ولأن تصر دائما على أن مرجعية المفاوضات هي ما يتفق عليه المتفاوضان. وبهذا تكون حكومة إسرائيل «المحتلة» هي الطرف الأقوى. إن هذه المسألة هي التي توضح سر الحملة الإعلامية الإسرائيلية، ومعها الحملة الإعلامية الأميركية، ضد ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة، فإذا نجح الأمر ستصبح الأمم المتحدة بكل قراراتها حول فلسطين وإسرائيل حاضرة في كل جولة مفاوضات قادمة.

ومما يلفت النظر في هذه الحرب الدبلوماسية المعلنة من قبل إسرائيل، أنها بدأت تأخذ طابع الحرب العسكرية أيضا، فمن يتابع إجراءات إسرائيل الداخلية يجد أن إجراءات الحرب هذه قد أصبحت مطروحة ميدانيا، وبحيثيات لم ترد من قبل قط. من ذلك مثلا ما أعلنه قائد الجيش الإسرائيلي في المنطقة الوسطى الجنرال آفي مزراحي، من أنه تم إعداد «خطة عسكرية» لمواجهة أحداث سبتمبر المتوقعة، وفي هذه الخطة تم وضع «خط أحمر» لكل مستوطنة في الضفة الغربية، بحيث يؤدي اقتراب الفلسطينيين منه إلى الرد بالسلاح. وتم تزويد المستوطنين بالقنابل الصوتية وبالقنابل المسيلة للدموع، لأول مرة في تاريخ الصراع. وإسرائيل هنا تعد المستوطنين ليكونوا جزءا أساسيا من مواجهة مسلحة مع الفلسطينيين، بينما كانت في السابق ترفض تدخلهم العسكري، وتصر على حصر هذا الأمر بالجيش الإسرائيلي.

ويتطور الأمر إلى أبعاد أخرى، سياسية وعسكرية، في التحدي الثاني الذي يواجه إسرائيل، وهذه المرة مع تركيا. فإسرائيل ذات الخمسة ملايين نسمة، تتعامل مع تركيا ذات السبعين مليون نسمة، على أنها الدولة الأكبر التي تستطيع تحديها ومواجهتها، وإلى حد التجرؤ على قتل مواطنيها، وإلى حد التعالي والتعنت في رفض الاعتذار عن قتل مواطنين أتراك في عرض البحر (المياه الدولية)، وكذلك في رفض الاعتذار عن هذا القتل الذي وقعت أحداثه يوم الاعتداء على أسطول الحرية الذي كان متوجها نحو غزة لفك الحصار عنها. وحين تمادت إسرائيل في إظهار عنجهيتها ضد تركيا، بادرت تركيا إلى فرض عقوبات عليها: طرد السفير الإسرائيلي من تركيا، وقف التعامل العسكري والأمني، وقف التبادل التجاري.

وتطور هذا الأمر إلى حد إعلان تركيا أنها ستحرك سفنا تجارية جديدة تتجه نحو غزة للهدف السابق نفسه، وكانت المفاجأة حين أعلنت أن سفنا حربية تركية ستواكب هذه السفن التجارية، الأمر الذي يعني احتمال مواجهة عسكرية بين الطرفين، إذا فكرت إسرائيل في اعتراض السفن التركية هذه المرة.

والأمر هنا لا يقتصر على احتمال المواجهة مع ما يعنيه من مخاطر كبيرة، بل هي تمتد إلى مكانة إسرائيل وإلى مكانة تركيا الاستراتيجية في المنطقة. وقد بادرت إسرائيل إلى الإشارة إلى هذه المسألة الحساسة بقولها «إن جميع المحاولات التركية تحمل قاسما مشتركا واحدا، هو (تطويق إسرائيل) وزعزعة وضعها الاستراتيجي».

التحدي الثالث الذي بدأ يواجه إسرائيل هو مصر. مصر الشارع، ومصر الرسمية. فالهجوم الذي شنه الشارع المصري على مبنى السفارة الإسرائيلية في القاهرة، أدى إلى إغلاق السفارة، وإلى مغادرة السفير مع جميع الموظفين العاملين في السفارة، وأدى حتى إلى مغادرة جميع الإسرائيليين الموجودين في القاهرة، وهو أمر ستكون له انعكاسات شديدة على العلاقة الرسمية بين البلدين ستظهر في الأيام والأسابيع القادمة.

ويجيء هذا الحادث الحساس على خلفية توترات سابقة طرحت موضع تعديل اتفاق كامب ديفيد المعقود بين الطرفين، وفي هذا السياق يعتقد الإسرائيليون والأميركيون أن العلاقة الآن في حالة غير مستقرة، وذلك حسب رأي ستيفن كوك الخبير في معهد العلاقات الخارجية الأميركي. كما تأتي من داخل إسرائيل إشارات مماثلة، ففي تحليل أعده «معهد أبحاث الأمن القومي» الصهيوني قول صريح بأن حالة من القلق تسود السياسيين من داخل الحكومة ومن خارجها، حول احتمال سقوط اتفاقية السلام بين البلدين. وتحوطا من الوصول إلى هذا المأزق يفكر الإسرائيليون في إجراء حوار استراتيجي مع مصر لإجراء تغييرات في الملحق الأمني لاتفاقية السلام بينهما، تعزز من قوة مصر العسكرية داخل سيناء، خلافا لبنود الاتفاقية.

إن التعديلات في الملحق الأمني تشكل بداية تصدع اتفاق السلام بين البلدين، وخاصة أن المحللين الإسرائيليين بدأوا يتحدثون قبل حادث السفارة عن تحرك الشارع المصري وضرورة تفهم تأثير ذلك على القيادات المصرية، وسيزداد هذا النوع من الحديث بعد حادث اجتياح السفارة من قبل الجمهور الغاضب.

إنها ثلاث مشكلات: الأولى مع الفلسطينيين الذين يشكلون عصب الموضوع كله. والثانية مع تركيا التي تشكل أقوى دولة إقليمية في المنطقة. والثالثة مع مصر أقوى دولة عربية في المنطقة. فكيف ستبلور إسرائيل وضعها الاستراتيجي بعد ذلك؟

لقد اعتادت إسرائيل على التعامل المتعالي مع الجميع، وهناك في إسرائيل الآن من بات يدعو إلى ضرورة الإقلاع عن هذه العادة السيئة. فهل سيستطيع زعماء من نوع نتنياهو وليبرمان أن يفعلوا ذلك؟