أيام فاتت.. صراع وزاري على تمرة

TT

نسمع في هذه الأيام عن الصراع والمنازعات والاتهامات الدائرة بين الوزراء والزعماء حول الملايين التي نهبوها أو في طريقهم لنهبها. لم يكن الأمر كذلك في عهود أيام الخير. جرى صراع خطير بين نوري السعيد وأرشد العمري، الزعيمين اللذين كثيرا ما تناوبا على حكم العراق في العهد الملكي، حول عذق تمر. التمرات التي كانت عليه هي كل ما شغل بال نوري السعيد عندما ذهب الاثنان لمصيف سرسنك في كردستان ليتشاورا مع الأمير عبد الإله، الوصي على العرش، بشأن تعديل وزاري جديد.

وبينما كانا جالسين في مدخل القصر ينتظران الأمير عبد الإله، حضر جندي عريف من الحرس الملكي.. أدى التحية ثم وضع على الطاولة أمامهما عذقا من تمر البرحي نضج توًّا. قال: سيدي، وصلنا هذا العذق الآن بالطيارة من البصرة. أدى تحية الانصراف وخرج.

كان العراقيون يعتزون بتمر البرحي. في هذه الأيام يعتزون بالهامبورغر والفياغرا، ولهذا السبب منعت السلطات في أيام الخير تصدير البرحي، وبصورة خاصة خروج فسائله للخارج، حرصا على بقائه في العراق فقط. بيد أن الإسرائيليين من أصل عراقي حنوا للبرحي وتشاوروا مع الموساد على جلب فسائله وزرعها في إسرائيل. وقام الموساد بعملية خطيرة وسرب بعض رجاله إلى العراق فحصلوا سرا على عدد من هذه الفسائل وهربوها إلى إيران، ومنها إلى إسرائيل. ونشر الموساد كتابا ضافيا عن هذه المغامرة. والآن لا يوجد برحي في العراق، لكن يوجد في إسرائيل.

ما إن رأى أرشد العمري هذا العذق أمامه حتى مد يده ولقط واحدة من التمرات الناضجة المغرية وأكلها. ثم تلاها بثانية وثالثة وأبو صباح يتفرج ويرى أن زميله رئيس الوزراء لن يلبث حتى يأتي على كل التمرات الناضجات ولا يبقي له شيئا، لكن رئيس وزراء الظل لم يعرف كيف يثني زميله رئيس الوزراء القائم عن هذا العمل. تفتق ذهنه أخيرا عن هذا الإجراء..

«مسرور، يا مسرور»، نادى على الطباخ السوداني، الذي غسل يديه وأسرع لتلبية النداء. «مسرور، أنت طباخ وتعرف بالأكل. فهمني، الأصول الناس يأكلون التمر قبل الغدا أم بعد الغدا؟».

أدرك الطباخ السوداني أبعاد هذا المطب والمأزق اللذين أوقعه فيهما أبو صباح. فكيفما سيجيب سيزعج أحد الرئيسين الجالسين. لكن مسرور كان طباخ ملوك واكتسب خبرة جيدة، لا بطبخ الأرز والبامية فقط، وإنما بمسالك الدبلوماسية أيضا، وليس بغلي الدهن فقط، بل وكذلك بمداهنة المسؤولين. فتح فمه وأجاب:

«سيدي، في ناس يحبون يأكلون التمر قبل الغدا، وفي ناس يحبون يأكلون التمر بعد الغدا».

نجا بهذا الجواب، لكنه لم يحل مشكلة نوري السعيد وعذق التمر، فصاح به: «ولك مسعود انطق بالصدق! مو إحنا ضيعنا حتى طعم حلقنا بهالأيام هذي».

استأذن بالانصراف وخرج، لكن دبلوماسيته حلت مشكلة هذا النزاع على تمرات البرحي. فقد أدرك أرشد العمري مقصد زميله بهذا الحوار فلم يمد يده للتمرات بعد ذلك.

وكانت أيام خير وفاتت.