الربيع العربي بين التوطين والتخصيب

TT

كان للنظام الإيراني اليد العليا جماهيريا في الفضاء العربي، كونه يحمل سيف المقاومة التي تقف مع الحق الفلسطيني؛ كانت المقاومة للنظام الصهيوني في فلسطين هي الراية التي يحشد تحتها نظام طهران المؤيدين العرب، والتي جعلت من جماهير عربية واسعة تسير خلف الطروحات الإيرانية بقضها وقضيضها، ومهما قيل وقتها عن أن كل ذلك الحماس الإيراني هو ذريعة لشهية في التوسع معنويا ومحاولة الهيمنة الإقليمية، لم يكن يُصغى إليه، لقد كان الجمهور مأخوذا بتلك الشعارات.

اليوم يسحب الربيع العربي، أو بعضه على الأقل، البساط من تحت أرجل النظام الإيراني في ذلك الملف على الأقل. لم يعد هو الذي يساند القضية الفلسطينية، وبقية الدول العربية الأخرى تتفرج، أو أنها تتعامل مع العدو دبلوماسيا واقتصاديا، على الرغم من الإهانات الإسرائيلية المتكررة.

صحيح أن الجماهير في فورة التعاضد الإيراني لم تسأل السؤال الطبيعي، وهو: إذا كانت طهران تحث على المقاومة وتساند القائمين بها في لبنان (حزب الله) أو في فلسطين (حماس)؛ فلماذا لا تحث حليفتها سوريا على المقاومة النشطة، بدلا من المقاومة السلبية، كما تفعل كثير من العواصم العربية المنتقدة؟ لم يُطرح هذا السؤال في بحر من الميل العاطفي الغامر.

اليوم يُطرح السؤال بقوة ومن الجماهير العربية في مصر خاصة، ولو بشكل آخر، فبصرف النظر عن توصيف القيادة المصرية الحالية لما حصل حول السفارة الإسرائيلية نهاية الأسبوع الماضي، أو حول السفارة الأميركية في وسطه. فإن من قام بذلك هم المواطنون المصريون الذين يشعرون أن الصلف الإسرائيلي من جهة وجب أن يتوقف، كما أن الاختطاف الكلامي من طهران للقضية الفلسطينية والركوب عليها للدخول في عقل المواطن العربي أيضا عليه أن يتوقف.

لا أحد من المتظاهرين يريد أن يبدأ حربا مع إسرائيل، أو يستعدي الولايات المتحدة، أو يورط بلده مصر في أذى لا تحتمله، الهدف الأكثر وضوحا من تحرك الجمهور ذاك، كما صرح أكثر من شخص منهم لوسائل الإعلام، بأن هناك ضميرا شعبيا لم يعد يقبل بالإهانة؛ سواء الداخلية أو الخارجية، كما لا يقبل سرقة الملفات القومية.

فرصة عودة الشارع العربي للدفاع عن القضية الفلسطينية التي تستباح من الإسرائيليين أنفسهم، أو من الدعم الأميركي غير المحدود لهم، هي عودة القضية إلى الأهل، ولم تعد طهران الموكلة بذلك، خاصة بعد دخول الأتراك على الخط الفلسطيني، وحملتهم الجادة نسبيا للدفاع عن ذلك الحق.

تخصيب اليورانيوم والحصول على القنبلة النووية لترسانة إيران الحربية، في نهاية الأمر، تهديد للأمن العربي، لأن طهران لا تفتأ تهدد وتتوعد بشكل مباشر أو غير مباشر جيرانها في الخليج، وما خرج من الأسرار أخيرا أن بعض المصادر الإيرانية هددت بأن ردها في المستقبل على المطالبة بعودة الجزر العربية في الخليج، حتى لو كان من خلال الإعلان الدبلوماسي، لن يكون دبلوماسيا كما كان في السابق! هذا التطور بجانب تطورات أخرى وتصريحات معلنة عدائية، بل وتدخل واضح في الشأن الداخلي العربي، يقودنا إلى القول إن طهران في حقيقة الأمر تبحث عن مصالحها لا غير، وركوب القضية الفلسطينية وحركات المقاومة هو ركوب تكتيكي لا أكثر، سحب منها الآن أو في طريقه للسحب.

دليلنا على ذلك الاحتفاء غير المسبوق في الصحف الإيرانية، الأسبوع الماضي، بما حدث في القاهرة، وإظهاره أنه انتصار للسياسة الإيرانية، أو ربما بإيعاز منها!

في المقابل، فإن التوطين في الضفة الغربية وتوسيعه يؤكد الخطط التوسعية لإسرائيل، كما يضرب عرض الحائط بكل الالتزامات الدولية والقواعد القانونية المعترف بها دوليا، التي تقول إسرائيل إنها ملتزمة بها. من هنا، فإن الرسالة المزدوجة التي أرسلها الجمهور المصري في الأسبوع الماضي، لكل من طهران وتل أبيب، تقول بوضوح إن القضية الفلسطينية لها أهل، فليس مسموحا بتجاهلها كما يحدث في تل أبيب، وليس مسموحا باختطافها من طهران، في مناورات سياسية وتصريحات كلامية.

الربيع العربي الذي تتفتح زهوره في مصر، على الرغم من الصعوبات والمخاض العسير الذي يواجهه، هو الذي سوف يحدد مسار كل الربيع العربي الحالي والقادم في الملف الإقليمي، ومما ظهر حتى الآن فإنه ربيع يشجب كلا من التوطين والتخصيب في آن واحد، لأن كليهما مهدد للأمن العربي.

آخر الكلام:

نتنياهو يقول: إن المنطقة تمر بهزة تاريخية، وعلينا التصرف برجاحة عقل.. سوف نواصل البحث عن السلام مع الفلسطينيين، ونرمم علاقتنا بتركيا!

كل هذا التصريح ردا على أحداث السفارة الإسرائيلية في القاهرة..!