أردوغان العربي.. ولكن!

TT

ألقى رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، خطابا «حماسيا» في «بيت العرب»، أي الجامعة العربية، دون أن يقول كلمة واحدة علنية عن سوريا، بل كان التركيز كله على الصراع العربي - الإسرائيلي!

فعلى الرغم من أن أردوغان استحضر اسم البوعزيزي قائلا إنه «ذكّر العالم مرة أخرى بقيمة الشرف الإنساني»، فإنه تجاهل الحديث عن آلاف البوعزيزي في سوريا، حيث منهم من قتل، ومن يركل بالأقدام والأحذية، ومن جزت حنجرته، وأفظع من ذلك، على أيدي قوات الأمن التابعة للنظام الأسدي. كرس أردوغان خطابه «العرمرمي» متحدثا عن إسرائيل وفلسطين، وضرورة رفع الحصار عن غزة، ومعلوم أن هذه هي عدة ركوب ظهر الثور الهائج بمنطقتنا، أي «عقدة الزعامة»، والحقيقة أن أردوغان امتلك تلك الأدوات جيدا في خطابه، لكن الإشكالية ليست في خطابه، وهنا القصة.

الإشكالية أن الواقع العربي اليوم تجاوز مرحلة الشعارات الخاصة بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فكل الدول العربية التي هبت بها الثورات، والانتفاضات، لم تحرق علما أجنبيا، ولم تطالب إلا بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، وما زالت المطالب الشعبية نفسها إلى الآن رغم كل محاولات جرها للنزاعات الإقليمية، بما فيها الصراع الإسرائيلي - العربي، كما يحدث بمصر اليوم! فقد مل الشارع العربي من الشعارات الفضفاضة، واقتنع، أي الشارع، بأن الحديث عن القضية الفلسطينية هو أسهل موضوع بمادة التعبير يختاره بعض زعماء المنطقة، عند وجوب الاستحقاقات، وهذا ما يفعله نظام الأسد اليوم.

وبالطبع ليس القصد التقليل من القضية الفلسطينية، لكن المؤسف هو الهروب من معالجة الواقع والشماعة الجاهزة هي القضية؛ فكم هو محزن أنه بينما كان أردوغان يتحدث عن العدوانية الإسرائيلية كان المتظاهرون يحتشدون خارج مبنى الجامعة العربية منددين بعدوانية نظام الأسد تجاه شعبه، حتى إن السوريين باتوا يطالبون نظام الأسد باستخدام الرصاص المطاطي، على غرار الطريقة الإسرائيلية، بدلا من الرصاص الحي والمدفعيات، وهنا يبدو أن السيد أردوغان لم يتنبه إلى أنه بالموروث الثقافي العربي، يعد «ظلم ذوي القربي أشد مضاضة/ على المرء من وقع الحسام المهند»، فاليوم بات العربي مشغولا بحماية إخوته السوريين العزل من نظامهم الدموي أكثر مما هو مشغول بإسرائيل وجرائمها، فهذا مما لا يختلف فيه سوريان!

الأمر الآخر الذي لم يتنبه له السيد أردوغان أن إشكالية القضية الفلسطينية تكمن في أنها باتت مطية لكل طامح، وتعقدت، وتلوثت، وأبسط مثال هنا أنه فور انتهاء أردوغان من خطابه بالجامعة العربية، الذي طالب به بضرورة رفع حصار غزة، والحصول على اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية كان نواب من حماس قد أصدروا بيانا يطالبون فيه محمود عباس بعدم اللجوء إلى «خطوات انفرادية» من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي نفس لغة إسرائيل!

وعليه؛ فلا غضاضة بالتحالف العربي - التركي، لكن بعيدا عن الشعارات، وعقدة الزعامة، فإذا أراد أردوغان من العرب تصديقه فليتحرك بالملف السوري، أما إسرائيل فقد سمعنا خطبا بحقها تفوق براعة ما قاله أردوغان سواء ببيت العرب نفسه أو خارجه!

[email protected]