مغازلة على ضفاف بحيرة (جنيف)

TT

أشهد لله أنني إنسان حسن الطوية، ومحب للخير والفضيلة كذلك، ولا أحشر نفسي فيما لا يخصني إلا إذا (غلبت الروم)، وشهادتي هذه لا تمت بأي صلة لشهادة (أبو الحصين) المشهورة.

هذه المقدمة لا بد منها لكي أدافع عن نفسي منذ البداية.

والآن أدخل في الموضوع موضحا أنني كنت أجلس في أمان الله أمام بحيرة (جنيف) الجميلة ولا همّ لي إلا أن أقذف ببقايا (الساندويتش) الذي شطبت على نصفه لبعض البطات، وإذا بزوج وزوجة أعرفهما يقرئانني السلام ثم جلسا بجانبي، ولاحظت أن وجهيهما ترهقهما قترة، فتيقنت أن كل واحد منهما (مش طايق الآخر) ولا طايق حتى ريحته، عندها بدأت أحشر نفسي بينهما رويدا رويدا، لكي أخرجهما مما هما فيه، واقترحت عليهما أن يضع كل واحد منهما نفسه في مكان الآخر ويبدأ بـ(الفضفضة)، واستحسنا اقتراحي، وبدأت الزوجة قائلة وهي (تزغر) زوجها بعينيها:

لو كنت زوجا لما دخلت المنزل ظهرا وجلست إلى المائدة وأول همي أن أنتقد طريقة الطعام.

ولو كنت زوجا لما أظهرت عدم الاكتراث للثياب الجديدة لزوجتي.

ولو كنت زوجا لما نسيت أن زوجتي بشر لها نفس الميول والمتطلبات، ولما انطرحت كالبغل على السرير كل ليلة مديرا لها ظهري. ولو كنت زوجا لما أصبحت كالطفل الغرير أشيد وأمدح أمي على الفاضي والمليان.

فابتسمت أنا لها علامة الإشادة بكلامها، ثم التفت للزوج قائلا له: وأنت هات ما عندك وتخيل لو أنك زوجة فماذا كنت تتمنى؟!

قال: لو كنت زوجة لأدركت أن مائدة الطعام هي للأكل، وليست للثرثرة بالمشاكل المزعجة.

ولو كنت زوجة لما فكرت يوما أن أحدث زوجي عن جارتي وكيف أن زوجها لا يرد لها طلبا.

ولو كنت زوجة لما أهملت زينتي ولما استقبلت زوجي بملابس تفوح منها روائح المطبخ.

ولو كنت زوجة لما سخطت على أولادي وأرهقتهم بالأذى والشتم والزجر. ولو كنت زوجة لما قضيت الوقت أتحدث عن أهلي ورقيهم وظرفهم ولطفهم وكريم أخلاقهم، ولما جعلت من والدتي التي هي ثالثة الاثنتين (ريا وسكينة)، ولما أسبغت عليها زورا وبهتانا صفة (مريم البتول). وما إن وصل في حديثه إلى هذا الحد، حتى انتفضت الزوجة وهبت واقفة وكأن هناك أفعى قد أنشبت أنيابها في مؤخرتها، وفتحت (جاعورتها) وهي تصيح به قائلة: اخرس (حسك عينك).. كله إلا أمي يا قليل الحيا.

وبدأ (الردح) الثقيل بينهما بعبارات يندى لها الجبين ولا أستطيع ذكرها.

وبعد جهد جهيد استطعت أن أسيطر على الموقف نسبيا قائلا لهما: إذا كنتما تريدان الصراحة فأنتما لا تصلحان لبعضكما البعض، وخير لكما (التسريح بإحسان).

فردت علي الزوجة غاضبة وهي تقول: عن أي إحسان أنت تتحدث يا فالح؟! والله ما أكون بنت أبوي (إن ما وريته نجوم القايلة). تلفظت بهذه الحكمة ثم أدارت ظهرها وهي (ترثع) متجهة للفندق، وبعد عشر دقائق من الصمت نهض الزوج وهو (يسحبل) أقدامه ذاهبا، وكان منظره يشبه تماما (تيس الصفري) التافل للعافية.

عندها تنفست الصعداء وعدت كما كنت، أرمي ببقايا (الساندويتش) للبطات العزيزات، وأصفّر بفمي ببعض المقاطع الموسيقية وكأن شيئا لم يكن.

[email protected]