العندليب والبلبل والشحرور!

TT

الذين يتحدثون عن «العندليب» الأسمر عبد الحليم حافظ لم يروه - أقصد لم يروا هذا الطائر الذي اسمه العندليب.. ولا يعرفون أين يوجد في مصر.. ولا صورته ولا صوته.. ولكن أغلب الظن أن العندليب طائر صوته جميل وعبد الحليم صوته جميل حزين، ولا بد أن يكون العندليب كذلك وإلا لما وصفنا عبد الحليم حافظ بهذه الصفة..

وعندما أصدر د. طه حسين رواية «دعاء الكروان» أهداها إلى الأستاذ العقاد.. وكان من رأي العقاد أن أحدا في مصر لم ير هذا الكروان ولا عرف صوته.. ولكن الناس قد توارثوا أن الكروان طائر جميل الصوت، وكان من رأي العقاد أن طه حسين كان الأولى به أن يجعل كتابه «دعاء البلبل»، لأن البلبل هو الطائر المصري الصميم الذي يسمعه الناس في الريف على الأشجار وفوق الأسطح.. ولكن الكروان مثل العندليب، في صوته شجن.. أما البلبل فلا بد أنه طائر سعيد الصوت مفرح الغناء وليس هذا ما قصده طه حسين في روايته..

ويسمون المطربة صباح «شحرورة الوادي»، ونحن نردد وراء اللبنانيين هذه الصفة.. ولا أحد منا قد رأى الطائر الشحرور ولا عرف صوته ولا وجه الشبه بينه وبين صباح.. ولكنهم في لبنان يعرفون ذلك.. فصوت صباح من أصفى وأنقى الأصوات اللبنانية وأقواها، وهي في أغانيها اللبنانية أروع من أغانيها المصرية..

وكان الناس يظنون أن الشحرورة هي الزعرورة.. والأغنية تقول: هيك مشق الزعرورة يا يا أمه هيك.. هيك الحلوة والصورة يا يا أمه هيك..

ولكن الشحرورة طائر والزعرورة زهرة أو ثمرة أو ورقة شجرة.. والمهم ليس الحقيقة العلمية أو النباتية أو الحيوانية وإنما المهم تقريب الصوت الإنساني إلى لحن حيواني.. كروان.. عندليب.. بلبل.. يمامة.. أما صوت الغراب أو البومة فهذا ينطبق على بعض الأصوات الصغيرة التي تشوشر علينا في شبكات التلفزيون من كل العواصم العربية..

وبعض الفنانين مثل «طائر الشوك» الذي يطلق صيحة واحدة في حياته.. إنها أجمل صيحاته قبل أن يموت.. وذلك حين يدركه الموت يظل يبحث عن شجرة بها شوك.. ويختار أطول شوكة ويلقي بنفسه عليها.. فتنفذ الشوكة في قلبه ليصرخ لآخر مرة.. أجمل صرخاته!